Powered By Blogger

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

استطرادات (2)

20 سبتمبر 2013
كانت السماوات ترسل شواظا من لهب في احدي عتامير الشرق ونحن ركوبا علي ظهر عربة بائسة تتبع للمستشفي نقطع المسافات ,ونحن فاقدي الرغبة في السفر. كان عددنا يقارب الثلاثين. ما بين طبيب و اداري و فنيين تحصين ومساعدين وممرضين وطباخين..كانت الرحلة قد بدأت قبل اكثر من اسبوع وقد نال منا التعب مبلغه..كنا نقف علي نواصي القري و اطراف البلدات وعلي قرب تجمعات المناطق المأهولة لكي نقدم (خدمات طبية مجانية) لأنسان شرق السودان.تحركنا من كسلا وتطوفنا علي (ود شريفي عند معسكر اللاجئين)..(ووقر) و (عواض) و (أروما )..وحتي (همشكوريب)..كانت الايام ايام مسغبة وفاقة وجوع..كان الزرع قد جف و كأنما غضبة الهية غشيت الأمكنة..والضرع قد جف في حلمات البهائم و اصبحت الحياة قطعة من الجحيم..لا بد أن الخيال السوداني قد نضب معينه في تلك السنوات..ننزل الي القرية فتنصب لنا خيمتين عظيمتين في دقائق..وننزل معداتنا ونبدأ العمل..نطيب خاطر المرضي بكلمات فاضلات اكثر من علاجات علمية تتناقص كمياتها يوما بعد أخر.ويبدأ فنيي المعامل في أخد عينات من دم المرضي لفحص الملاريا و الالتهابات..ويحقن الممرضين المرضي (ببنسلين مائي) و (كلوروكوين ) ..وتصرف لهم (الاستربتو) و (السيازينا) و(فيتامين) لمعالجة السل الرئوي المنتشر..تصرف للاطفال جرعات التطعيم من (شلل الاطفال) فور وصولهم..وكان مندوب احد المنظمات يصرف لهم مطهرات للتخلص من القمل..ويقوم المساعد الطبي ومحضري العملية بعمليات الختان للاطفال من عمر ثلاثة وحتي ثمانية.. وكان الاطفال المفزوعين يقفون صفوفا هؤلاء المساكين وتجحظ اعينهم في انتظار دورهم.وكنت اخلع لهم اسنان مخلخلة الجدور من سوء التغدية...كانت قليلة تلك الايام التي استضافنا فيها بيت..فقد كنا ننزل في المساجد غالبا و ندخل اسرتنا داخله و ننام..اكثر من شهر تطوفنا فيه تلك الفيافي ..وتعاملنا مع انسان الشرق البائس المهضوم الحقوق ربما مند الازل.
عملي بمستشفي كسلا لم تبق من دكراه الا لمحات مثل التي سجلت..وكان معطم الاطباء يخشي الخروج من (كسلا) الي الاقاليم غاية الخشية . كانت اروما بالنسبة لهم هي الجحيم الفاغر الفم اما (همشكوريب ) فقد تفنن احد زملائنا عندما جاء منها في اجازة في وصفها بانها ليست همشكوريب بل: (هم) و (شك) و (ريب)..فلله در اهلها وساكنيها..
أواه يا ارض شرقنا المصابرة. يا ارض اوشيك و اونور وارض الابل وارض (الرشايدة)..لم تكتحل عيناي برؤيتك مند حقبة التمانينيات..و لا ادري متي اجد فسحة من الزمان لاعاود حنيني اليك.ولكن ادا دكر عاشقيك في الدنيا فاحسبيني منهم.

استطرادات (1)

20 سبتمبر 2013

(استطرادات) هي مونولوج داخلي اتجرأ لاسجله في كلمات.قد لا يصلح مقال (استطرادات) للقراءة بواسطة الاخرين,وهدا غالب الظن.وادا كان دلك كدالك فانه لا يصلح للنشر ايضا.ولكن المؤكد اكثر من هدا و داك فانها لا تصلح للنقاش و المراجعة بواسطة اخرين.وقد سميتها (استطرادات) لانها لا تلتزم بوحدة الموضوع..فحديث يقود الي اًخر وهكدا.وانا لم ابتدع حديث الاستطرادات فقد قرأت للمرحوم عبد الله الطيب كتابا كاملا سمي (من نافدة القطار) يمتلي بهدا النوع من الكتابة. ولانها مونولوج داخلي حر.فلا تلتزم بلسان واحد.فبعضها بالعربية الفصيحة وبعضها بلغة دارجة وربما انحدر بعضها الي لغة الحواري. وازيدكم من الشعر بيتا..فليس لها بداية او نهاية.
(وجب التنويه الي ان حرف الزال معطل في لوحة مفاتيحي..وانا استعيض عنه بالدال .)
استطرادات
1
(السنوات الاولي لحقبة التمانينيات)
الصباحات الباكرة .,الهواء المنعش الدي يهب من اتجاه البحر..عند عبورك من شارع (طيبة) مخترقا دوار (اسبورتنج),وعبورك شارع (تأنيس) ثم وصولك الي شارع (الجيش) تهب عليك نسائم البحر المضمخة برائحته فتنعش روحك الهائمة و الحائرة و تنفض عنك ما تبقي من نعاس.ثم تصل اخيرا الي كازينو يوغل داخل البحر ما يقارب مائة متر..تصله بممر طويل..والكازينو نفسه يقوم علي شكل دائرة تستند علي علب اسمنتية اسطوانية ضخمة تغوص داخل المياه,,فتحس بنفسك حين تدخل انك داخل مركب عظيم..وعادة يكون الكازينو خاليا عند هدا الوقت-الا من بعض الرواد القليلين جدا..يجلس معظمهم داخل المبني نفسه علي المناضد المرصوصة في الباحة الداخلية المحمية بالزجاج من جميع الاوجه..ولكنك تفضل الجلوس علي المناضد الخارجية..لكي لا ينقطع عنك الهدير الابدي للبحر الهائج بما تبقي من (مد) الليلة الماضية.تحمل في يدك كتاب (ملحمة الحرافيش).الدي صدر هدا الاسبوع.وهو اخر انتاج الكاتب الكبير نجيب محفوظ.وتجلس دقائق تتأمل حولك المناضد الخالية..وتتسمع اصوات المدينة القديمة العريقة الرائعة..يلطم الهواء وجهك ..ثم تطلب من الساعي المدهول من اختيارك الجلوس خارجا ان يأتيك بفنجان القهوة ثم تبدأ الرحلة داخل عالم (عاشور الناجي) و(درويش)و(شمس الدين)و(جلال) ..
لجورج اورويل رواية كاملة قراءتها وانا صغير(1) يرجع الراوي الي مدينته التي تربي فيها بعد مرور عشرات السنين.فيجد ان كل شيء قد تغير ويظل طيلة صفحات الرواية يقف في احد الامكنة ويقول هنا كان يوجد كدا و كدا .والان انا اتدكر هده الرواية بمناسبة ان مدين الاسكندرية التي احببت قد ازالت هده الكازينوهات التي كانت من السمات البارزة للمدينة في فترة اقامتي بها في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات..كان لكل محطة ( كامب شيزار- ابراهيمية- اسبورتنج- سيدي جابر الشيخ..الخ) علي سيف البحر تماما كازينو من هده الكازينوهات..والان عندما انظر علي (قوقل ايرث) او اري صورا حديثة للمدينة العجوز فانني لا أجد هده الكازينوهات..ولا بد ان توسعة شارع الجيش نتيجة كثافة الحركة المرورية قد اضطرت مهندسي المدينة لازالتها وتوسعة الشارع الي اقصي الحدود.
ايتها الاسكندرية ايتها المدينة الفخيمة الرائعة العجوز..انا لم ازرك مند تلك الحقبة..ولكني ايضا لم أنساك..وأخاف حين الرجوع الي رحابك ان أواجه بما كتبه جورج اورويل في روايته.
عثمان جابر
* * *
(1) قراءتها في طبعة قديمة بائسة ممزقة ولكنها مترجمة ترجمة رائعة..وكان دلك عام 1975..وقد عثرت عليها في مكتبة ام درمان المركزية..وعند قراءتها لم اكن اعرف ان الكاتب هو احد الكتاب الانجليز الاماجد..وقد اعجيتني جدا حتي انني قراءتها في خلال الاسبوع الدي استعرتها فيه ثلاثة مرات.ومما يؤسف له انني لا اتدكر الان اسم الرواية .ولكن لابد ان كثيرون يعرفونها لان جروج اورويل من مشاهير الادب العالمي و انتاجه محفوظ ومعروف للمهتمين بالاْداب.

 ‎‎.‎

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

بسم الله الرحمن الرحيم

(وما توفيقي الا بالله)

شهور طويلة لم أسجل شيئا في مدونتي..شغلتني عنها شواغل..واليوم (20 اغسطس 2013) أعود لأبدأ  التدوين مرة اخري..
اتمني من الله أن يوفقني علي المواظبة علي الأمر وهو علي كل شيء قدير.

الأحد، 26 أغسطس 2012

فن الغناء السوداني و ظاهرة تقليد الاغاني

سلسلة مقالات عن فن الغناء السوداني

-1-(التقليد)

بسم الله الرحمن الرحيم
فن الغناء السوداني غابة متشابكة..اوراق تغطي افرع.. و افرع متشابكة تغطي سيقان و ليس في الغابة من يرصد..
ظللت حتي في اكثر الايام التي انشغلت فيها متابعا لمسار الغناء السوداني ..وقراءت كثيرا من الكتب و المقالات التي اهتمت بمسار هذا الفن..ولي فيه نظرات لم يحن الوقت بعد لتسجيلها..وارجو من الله ان اجد من الوقت فراغا- وسط هذا الخضم من المشغوليات و الهموم الشخصية و العائلية في بلد كالسودان تزداد مشغولياتك فيه يوميا-اجد فراغا حتي اسجل نظراتي و رؤأي في فن الغناء السوداني.


استمعت وانا طفل صغير للاذاعة السودانية باستمرار..وكانت حينها تهتم بنشر الاغاني الجيدة لكبار المطربين و يحكمها قانون برمجة قاسي..ولها خطة لا تحيد عنها أنذاك في وضع البرامج و الاغاني لمدة سنة مقدما تنشر علي الناس في مجلة فنية مواكبة اسمها الاذاعة و التلفزيون و المسرح وللذين لا يملكون ثمن المجلة وكنت احدهم-كان المذيع قبل كل نشرة اخبار يقوم باذاعة جدول اليوم الذي يليه...حتي الاغاني فيمكنك ترصد اغنية معينة سوف تذاع بعد 4 شهور من الان في فترة ال 5 دقائق قبل نشرة اخبار الساعة 2 ظهرا مثلا...ثم يصدق الوعد و تستمع في الوقت المحدد للاغنية المحددة..سبحان الله...اين كنا و اين اصبحنا...هذا البرنامج القاسي المنظم تلتزم به اذاعات محترمة ك BBC حتي الان...السؤال هو :لماذا نتدهور باستمرار...والي اي مدي في القاع سوف نصل؟؟؟؟
واستمعت للاذاعة وانا شاب..وكانت حتي سنوات السبعينيات تلتزم بذلك البرنامج القاسي..وتلزم نفسها به..ولذلك مرت علي اسماعي منذ ذلك الوقت اكثر من ثلاثة ارباع مكتبة الاذاعة السوداني..لانني كنت اهتم..وكنت انظر للامر بجدية..ولقد استمعت لاغاني كبار الفنانين اغاني لم تطرق اذني منذ السبعينيات وحتي الان..بل ان بعضها قد نمي الي اسماعي انه قد تم احراقه في المحرقة المشهورة في اوائل التسعينيات حينما فكر المد الاسلامي في اسلمة الغناء السوداني وقام باحراق اشرطة تحتوي علي كنوز من الفن السوداني الراقي..والذي ربما كان يمكن ان يباع بمليارات الجنيهات السوداني....ذكرني ذلك العمل بقيام حركة طالبان بهدم التماثيل...ولم تستجب للمطالب من معظم الدول المتحضرة.والمنظمات العالمية مثل اليونسكو...ولكي تتخيل فظاعة مثل هذه الافعال يكفي ان تتخيل ان الحكومة المصرية تقوم بهدم الاهرامات و تكسير كل ما بداخل المتحف المصري بدعوي انه منافي للدين..
المهم ظلت متابعتي لامر فن الغناء السوداني بصورة مستمرة علي امتداد سنوات عمري..وانا من جيل عاصر وسمع بأذنيه ورأي عمالقة الغناء السوداني...وقيما بعد عند عصر الكمبيوتر قمت بالاحتفاظ بعدد ضخم من الاغاني السودانية..(وكان ذلك هاجسا لي فقد اظل ساعات طويلة افتش عن اغنية معينة لفنان معين سمعتها منه في الستينيات...وقد تسعفني الظروف فاجد مرادي او قد لا اجد)...حتي اكتملت عندي مكتبة صوتية ضخمة بحمد الله.
ثم مرت ايام علي الغناء السوداني –وليتها لم تجيء-اصبح اعظم انتاج فيه هو تحرير (لوحة غنائية) قديمة ليس بغرض نفض الغبار عنها لتقديمها في ثوب قشيب ولكن لكسر رقبة ذلك العمل و سحقه و تقديمه لجمهور لا يأبه حتي بتأمل جمال كلمات اغنية او الاستمتاع بموسيقي رائعة سهر ملحنيها في تجويدها..واصبح سوق الغناء منذ تسعينات القرن الماضي ولا يزال الي الان سوق فوضوي لا يستفيد منه الا كل معتد اثيم..ولا يرتاده الا كل فسل ذميم ...
لم يكن تقليد الفنان للاخر عيبا..ولكن هناك ضوابط غير مكتوبة يلتزم بها كل من يحاول تقليد الاخرين بعدم ادخال اي زوائد علي العمل تشوهه وتخرجه من سياقه..وقد اختقت هذه الضوابط فيما بعد...وصار كل من يقلد فنانا اخر يقوم بالتصرف في الاغنية وكأنه هو من صاغ كلماتها و سهر في تلحينها...واختلط الحابل بالنابل...ولا زال.ولذلك لذت بجيل يعصمني..وهو الالتزام فقط بالانتاج المنضبط السابق وعافت نفسي كل تقليد قبيح وكل (عواسه).
واذكر لكم امثلة للتقليد في الزمن الجميل الذي اكلمكم عنه:
احتفظ بنسخ الكترونية للذي اقول...كمثال :ابن البادية يقلد الفنان الذري ابراهيم عوض (عدد وافر من الاغاني) ولكنه يحتقظ بجمال الاغنيات مثلما هي ويزيد عليها بحنجرته الصداحة..مثلا (لو بعدي بيرضيه)...واغنية (عهدك) و و و ....
كمثال.الخالدي يقلد الفنان عثمان الشفيع...يحتفظ بالاصل كما هو و يضيف...اغنيات (الحالم سبانا),و (الشاغل الافكار).و اغنية (ربوع شندي)...
كمثال: خوجلي عثمان يقلد الفنان الشفيع ويسير علي نفس النسق.
كمثال زيدان ابراهيم يقلد الفنان الشفيع و يسير علي نفس المنوال..ويقلد ايضا الفنان ابراهيم عوض في اغنية (يا خائن)...
الفنان صلاح ين البادية يقلد الفنان محمد حسنين في اغنيته (يا ناس وين انتو؟)....
واستمعت في شبابي للفنان علي ابراهيم اللحو يقلد الفنان الكابلي في برنامج ساعة سمر...
واستمعت واستمتعت بالفنان عبد الكريم الكابلي وهو يقلد رائعة السودان للابد..اغنية الفنان التاج مصطفي (الملهمة) و يقلده بعدد من الاغاني ملأت شريطا كاملا...
وقام بننفس الشيء مع الفنان حسن عطية...اذ ملا باغانيه شريطا كاملا اعترافا بفضله..
وقي بداية الزمن الغابر استمعت الي الشاب فرفور وهو يذبح ليس فنانا او اثنين وليس اغنية او اثنين بل مئات الاغاني لعدد وافر من الفنانين...ويا للاسف..
ولم يخطر علي بالي ان اكتب كل ما كتبته الا بعد ان استمعت مؤخرا لفنان عملاق...ملأ الدنيا و شغل الناس وحاز علي رضي ملايين السودانيين هرم غنائي فذ و انسان رائع ملء بالفن يقلد هرم غنائي اخر,,,
الهرم الاول الفنان عديم الشيبه..الفنان الذي سار بذكره الركبان الفنان عبد العزيز محمد داؤود...يقلد الهرم الاخر الفنان ابراهيم ابوجبل المشهور بالفنان اراهيم الكاشف...
الاول يقلد الثاني فلا ينقص من اجره شيئا....
الاول الذي ابدع لنا (فينوس) و (اجراس المعيد)..(وصغيرتي )واغنية (سمح درب الطير في سكينة)ووووو يقلد الثاني الذي اسمعنا و اشجانا ب(رحلة في طيارة) واغنية (تحت فيحاء الخميلة) واغنية (سالب فؤادي),,,
الاغنية المذكورة التي اثارت كل هذا المقال هي اغنية (المقرن عند الصباح)...
بالله عليكم قوموا بتنزيل اغنية المقرن عند الصباح بصوت الكاشف و بصوت ابوداؤود
استمعوا الي فن اصيل...و(خلونا من اللغاويث)...اما من لم بتحصل علي اي منهما فليرسل لي رساله لكي ارفعهما له ...
الان قاربت الساعة افطار رمضان...ارجو ان تعذروني علي الاخطاء اللغوية ان وجدت(فانا اكتب علي الكي بورد مباشرة و من الذاكرة مباشرة)..
عثمان جابر-امدرمان-29 يولية الساعة 5 مساء....

(واسينى الاعرج)

(أيتها البلاد التي نكست كل رايات الفرح ولبست حدادها وانتعلت أحذيتها القديمة التي أذلت فرحتها، لا تكثري الدق، لم أعد هنا. فقد خرجت باكرا هذا الصباح ولم أنس أبدا أن أغلق ورائي كل النوافذ والأبراج، وأسدّ القلب للمرة الأخيرة، وأقسمت أن لا ألتفت ورائي)

من رواية بندرشاه ضوء البيت- الطيب صالح

(من رواية بندرشاه ضوء البيت-للطيب صالح)
يسكنون في قري متباعدة, تبدو اضواءها الخافتة بالليل كأنها معلقة في السماء, و تتناهي الاصوات من شاطيء الي شاطيء ضعيفة لا تميزها الاذن . ولكنهم كانوا يعلمون ما يجري عبر النهر كأن بين الضفتين جسورا غير مرئية. يعلمون من سقي زرعه بالليل ومن سقي بالنهار,من مرض ومن ولد ومن مات ومن تزوج,ومن الذي باع ومن الذي اشتري. وكانت نربطهم بعضهم ببعض أواصر وقرابات و أنساب. و تجمعهم الأسواق و المجاملات,يتبادلون بذور (التيراب) و شتل النخل وفحول البقر و الحمير,ويجمع بينهم المداحون و المغنون وحقظة القرأن.هكذا حالهم من ملتقي النهرين الي ما وراء حدود مصر. لذلك لم يكن عجيبا انهم تسامعوا بنبأ الاحتفال الكبير في ود حامد. فجأءؤا من قبلي ومن بحري. من السافل و الصعيد, بالمراكب عبر النيل,بالحمير وسيرا علي الاقدام يحملون هداياهم.تمر و فمح وشعير و لوبيا و بصل وسمن ودهن, كل حسب طاقته,هذا يحمل ديكا وهذا يحمل حملا او (عتود),يجيئون مشتتين مثل رذاذ الغيث , ثم ما يلبثون ان يتكاثفوا ويتلاحموا في خضم عظيم يجيش ويزخر بحياة جديدة ارحب من حصيلة اجزاءه. تصل المرأة طرف الحي وعرقها يتصبب لأنها قامت من اهلها مع طلوع الشمس ووصلت و الشمس في كبد السماء ,فتسمع أصوات السرور وتشم رائحة الوليمة, وتسري اليها عدوي الاطمئنان من الجمع الغفير الذي غرز بيرق الحياة وسط ذلك العدم, فتزغرد من بعيد, فرحا بوجودها بأديء ذي بدء , ثم اعلانا للملأ انها ايضا هنا الأن.ولها في لهاتها صوت يعرب عن ذلك كله.وما يلبث صوتها ان يندمج مع بقية الاصوات ,فيضيف اليها نغمة,لا تميزها الأذن أول وهلة ,ولكن الذي يرهف السمع يدرك انها موجودة,وان صوت الجميع لا يكون جميعا دونها,يصلون واحدا و احدا ,واثنين اثنين,ضعافا هزالا,كل ظهر قد تقوس ,وكل كاهل قد ناء باعباء الحياة و الموت, فيتلقفهم الجمع الكبير فاذا كل واحد قد صار ذاته واكثر.اليوم سوف يجهل العاقل ويسكر المصلي ويرقص الوقور.و ينظر الرجل الي زوجته في حلقة الرقص فكأنه يراها لأول مرة,لا بأس عليهم لأنهم يؤكدون أسباب الحياة وسط كل ذلك العدم.
صفحة 131

من رواية عرس الزين-الطيب صالح.

(من رواية عرس الزين للطيب صالح)

وقف الرجال في دائرة كبيرة, تحيط بفتاة ترقص في الوسط,ثوبها انجدر عن راسها,وصدرها بارز للامام,ونهداها نافران.ترقص كما تمشي الاوزة,ذراعاها الي جانبيها تحركهما في تناسق مع راسها وصدرها ورجليها. ويصفق الرجال ويضربون الارض بارجلهم,ويحمحمون بحلوقهم.وتضيق الدائرة علي الفتاة فترمي شعرها الممشط المعطر علي وجه أحدهم .ثم تتسع الدائرة.و تتماوج الزغاريد, ويشتد التصفيق, ويقوي وقع الارجل علي الارض,ويخرج الغناء سلسا.ملحنا من فم فطومة.

وكان الامام جالسا مع جماعة,في ديوان حاج ابراهيم الذي يشرف علي فناء الدار,فحانت منه التفاتة, ووقعت عينه علي سلامه وهي منهمكة في رقصها.ورايء صدرها البارز,ورايء كفلها الكبير,حين تضرب برجلها يهتز و يترجرج, منقسما الي شقين كانهما نصفا بطيخة, و بينهما واد هبط فيه الثوب.وكانت سلامة في رقصها قد انثنت حتي اصبح جسمها في شكل دائرة,فمس شعرها الارض, و زاد بروز صدرها , و بروز كفلها. ورايء الامام ساقها اليمني وجزا من فخذها الممتليء, وقد رفع عنه الثوب.
وحين عاد الامام بوجهه الي محدثه,كانت عيناه مربدتين مثل الماء العكر.
وتحولت دقات الدلاليك الي العرضة.دقتان سريعتان واخري منفردة. و اخذ الرجال يرمحون باقدامهم كما تخب الخيل. وتقاطر عرب القوز علي حلبة الرقص, فتواثبوا وتصايحوا وطرقعوا باسواطهم. رجال قصار القامات مشدودو العضلات....الخ ...الخ...

من رواية الحب في زمن الكوليرا- للروائي جابرائيل جارسيا ماركيز.

وفيما هو يلتهم وجبة البيض, وصحن الموز الاخضر, وفنجان القهوة مع الحليب, خرجت السفينة ومراجلها مطفأة من الميناء, وشقت طريقها في المجاري المائية عبر مفارش الطحالب, ونباتات اللوتس الطافية ذات الازهار البنفسجية و الاوراق الكبيرة التي علي شكل قلوب, وعادت الي المستنقعات. كان الماء براقا بفعل عالم الاسماك الطافية علي جنوبها, ميتة بديناميت الصيادين,وكانت طيور الارض و الماء تحوم فوقها نطلقة صرخات معدنية. ون
فذت ريح الكاريبي من النواغذ محملة بصخب العصافير, فاحست فيرمينيا داثا في دماءها خفقات حريتها القلقة, والي اليمين كان مصب نهر مجدولينا العظيم والرصين يمتد حتي الجانب الاخر من الدنيا.
عندما لم يبق في الاطباق شيء يؤكل, مسح القبطان شفتية بطرف شرشف الطاولة, وتكلم برطانة قوضت الي الابد سمعة حسن التحدث التي عرف بها قباطنة النهر. لم يتكلم عنهما ولا عن احد.وانما كان يحاول التوافق مع غضبه. و النتيجة التي وصل اليها بعد سلسلة من الشتائم البربرية, هي انه لا يجد سبيلا للخروج من ورطة راية الكوليرا التي ادخلوا انفسهم فيها .
استمع اليه فلورينتينو اريثا دون ان يطرف له رمش. ثم نظر عبر النافذة الي دائرة ساعة اجهزة الملاحة, والي الافق الرائق, والي سماء كانون الاول التي لا تشوبها غيمة, و الي المياه الماتية للابحارالي الابد , وقال:
-فلنتابع قدما,قدما,قدما, ونرجع الي لادواردا ثانية. ارتعشت فيرمينيا داثا ,لانها تعرفت علي الصوت القديم المضاء بنعمة الروح القدس,ونظرت الي القبطان:كان هو القدر,لكن القبطان لم يرها,لانه كان غارقا في قدرة فلورنثينو اريثا الرهيبة علي الابهام.
وساله:
اتقول هذا جادا؟
فقال فلورنتينو اريثا:
-منذ ولدت لم اقل كلمة واحدة غير جدية.
نظر القبطان الي قيرمينيا داثا ورايء في رموشها البريق الاول لصقيع شتوي. ثم نظر الي فلورنتينو اريثا.بتماسكه لبذي لا يقهر,وحبه الراسخ, وارعبه ارتيابه المتاخر بان الحياة,لا اكثر من الموت.هي التي بلا حدود.
سأل:
- والي متي تظن باننا سنستطيع الاستمرار في هذا الذهاب و الاياب الملعون؟
كان الجواب جاهزا لدي فلورنتينو اريثا منذ ثلاث وخمسين سنة وستة شهور واحدي عشر يوما بلياليها. فقال:
- مدي الحياة.
--
صفحة
309

من رواية زوربا- للاديب نيكوس كازانتا زاكي

البحر و طراوة الخريف, و الجزر السابحة في النور, و المطر الناعم الذي اضفي حجابا شفافا علي العري الابدي لجزر اليونان, كم هو سعيد الرجل الذي يمخر عباب بحر ايجة قبل وفاته.
كم هي عديدة مسرات هذا العالم, نساءه, و فواكه, و أراء, ولكن ان تشق عباب هذا البحر الهاديء وفي فصل الخريف لهي السعادة التي تملأ قلب الانسان في نعيم الفردوس, فهذا هو المكان الوحيد الذي يمكن للانسان ان ينتقل فيه من من مكان الي مكان بهدو
ء وسهولة , من الواقع الي الخيال..انها المعجزة بالذات.
وعند الظهر انقطع المطر, وبددت الشمس حجب الغيوم, واطلت علينا ناعمة لتداعب باشعتها صفحات الماء الحبيبة,وتركت نفسي تستوعب هذه المعجزة الخالدة التي انقشعت علي مدي الافق البعيد.
وعلي ظهر المركب,كاليونانيين, و الشياطين الاذكياء, ذوو العيون المشعة و العقول التي تتفن فن المساومة الظويل علي البضائع التافهة, وفي بعض الاحيان تأخد بك الرغبة في أن تمسك بهذا المركب من طرفيه وتغرقه في البحر ,ثم تهزه جيدا لتغسل عنه كل هذه الحيوانات التي اوسخته,رجال , فئران, وقمل .ثم تعومه من جديد بعد ان يصبح نظيفا فارغا.
ولكن في بعض الاحيان كانت العاطفة تمنعني, عاطفة بوذية , باردة كالاستنتاجات الميتافيزيثية, عاطفة ليست نحو الرجال فقط, بل نحو الحياه كلها بجهادها, و صراخها, و نواحها , وأمالها التي لا تري ان كل شيء ليس الا محاولة لاظهار الاشباح من العدم,عاطفة نحو اليونانيين, ونحو المنجم الفحمي, ونحو مخطوطتي الناقصة عن بوذا, و عن ذلك الخليط من النور و الظلال الذي يزعج صفاء الجو.

اغراء-الفنان الفرنسي ويليـام بـوغـورو،


ام وابنها-فيسنتي روميرو


الفرنسي فريديريك 1858-1933م ولقاء شاي، وهناك قصة تثير الخجل فيما يبدو من أحد الفتيات


الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

سيد احمد الحسين



سيْداحْمّد الْحُسَيْن سيْداحْمّد حَاج مُوَس مِن مَوَالِي 6 فَبْرَايِر 1934د قِرّيّه الرِكَابِيْه مَحَلِّيَّه مَرْوِي الْوَاقِعَه بِالِضِفَه الْشَرْقِيَّه لِنَهْر الْنِّيْل وَتَّحْدِيْدا تَقَع الرِكَابِيْه بَيْن قَرْيَتَي النَافَعَاب و مُوَرَة
الرِكَابِيْه قِرّيّه لِأَهْل الْقُرْان وَالْمَشَايِخ حَيْث تَجِد بِهَا قُبُوْر الْصَّالِحِيْن الَّذِيْن اقَامُوْا الْدِّيْن امّثَال الْشَّيْخ حَسَن ودّبِلَّيل وَقُبِر الْحَاج عِيْسَي وَقُبِر الْشَّيْخ الْحَاج عُثْمَان .وَعَرَفْت الرِكَابِيْه بِالرِكَابِيْه نَسَبُه لَانْتِسَابِهِم لْقَبِيلِه الرِكَابِيْه .
فَاسْتَاذِنا الْكَبِيْر الاسْتَاذ سيْداحْمّد الْحُسَيْن حَاج مُوَسَي مِن احْفَاد الْشَّيْخ غُلَام الْلَّه بْن عَائِد الرِّكَابِي فَهُو حَفِيْد الْحَاج مُوسَاب الْزَرَق الْسَّتَه الَّذِيْن ذُكِرُوْا فِي مَدْحِه الْتِّمْسَاح الْشَّهِيْرِه .وَالِدِه شَيْخ الْحُسَيْن رَحِمَه الْلَّه الَّذِي كَان مَنْزِلُه بِالرِكَابِيْه دَائِمَا مَفْتُوْح لِلْضُّيُوْف .كَرَم مُتَوَارَث .
وَاسْتَاذِنا سيْداحْمّد الْحُسَيْن حُفِظ الْقُرْان فِي سِن مُبَكِّر فِي قِرّيّه مُوْرَه بِخُلُوِّه الْشَّيْخ صَالِح وَد فَضْل وَحَدَّثَنِي احَد زُمَلْاءَه بِالِخَلُوه ان الاسْتَاذ مُنْذ طُفُوْلَتِه كَرِيْما يُنْفِق كُل مَصْرُوْفَاتِه لِمَن يَحْتَاج الَيْهَا وَلَا يُبَالِي .
امّا تَارِيْخ الاسْتَاذ سيْداحْمّد الْحُسَيْن السِّيَاسِي فَهُو رَجُل قَدِيْم فِي الْسِيَاسَة مُنْذ عَهْد عَبُّوْد ، مُرْوَرَا ً بِالْدِّيْمُقْرَاطِيَّة الْثَّانِيَة
1964م ـ 1969 ،وَلَعِب دَوْر كَبِيْر فِي اطاحِه الْنُّمَيْرِي وَكَان يُمَثِّل نِقَابِه الْمُحَامِّيِّين ، وَاذّا عَرَفْنَا انَّه دِيِمُقْرَاطِي فِعْلَا مِن خِلَال مُناطَحْتِه لِكُل الانْظِّمِه الشُّمُوَلَيْه ابْتِدَاء مِن
عَهْد عَبُّوْد إِلَى نَميري الَى الْبَشِيْر عِنَدَمّا قَامَت الِانْقَاذ فِي بِدَايَتِهَا كَان ابَرُزْمُعَارِضِي الْدَّاخِل الاسْتَاذ سيْداحْمّد الْحُسَيْن . الاسْتَاذ ثَابِت وَلَم يَتَزَعْزَع وَيَقُوْل الْحَق لَا يَخْشَي الَا الْلَّه.

اضغط هنا-لقاء سيد احمد الحسين مع جريدة الوطن 
اضغط هنا-سيد احمد الحسين و لقاء مع جريدة الصحافة 
اضغط هنا-لقاء سيد احمد الحسين مع جريدة الوطن  

عائشة الفلاتية


ألحان الربيع عائشة الفلاتية



وُلِدْت عَائِشَة مُوَسَي احْمَد فِي امُدُرمّان عَام 1922 وَكَان وَالِدُهَا قَد حَضَر إِلَى الْسُّوْدَان وَهُو صَغِيْر مَع أَقَارِبِه مِن نِيْجِيْرِيَّا بِغَرَض الْتِّجَارَة وَاسْتَقَر فِيْه وَتَزَوَّج فِيْه وَانْجِب بِنْتَيْن وَعَائِشَة وَاسْتَقَر فِي الْسُّوْدَان
وَكَانَت عَائِشَة مُوَلَّعَة مُنْذ الْصِغَر بِالْغِنَاء وَقَد اسْتُلْهِمَت مِن الْغِنَاء الْخَفِيف الْمَصَادِر الْأُوْلَى لِفَنّها الَّذِي كَان يَعْرِف بِالَتَمْتم فَحَفِظْت عِدَّة أُغْنِيَات تَجَلَّت فِي أَدَائِهَا
وَابْتَدَاء اسْمُهَا يَلْمَع وَصَوْتُهَا يَنْتَشِر بِسُرْعَة وَكَانَت فِي ذَلِك الْوَقْت حَرِيْصَة عَلَي أَن تُغْنِي لِلْأَهْل وَالْأَصْدِقَاء فِي الْمُنَاسَبَات الْخَاصَّة فَكَان مِن الْطَّبِيْعِي أَن تَحَوَّز عَلَي إِعْجَاب كُل مَن اسْتَمَع إِلَيْهَا
وَكَانَت تَسْتَمِع لِلاغَانِي الّفّنّان احْمَد الْمُصْطَفَي وَحَسُن عَطِيَّة وَسُرُوْر مِن الْرَّادِيُو وَتَمَنَّت مِن صَمِيْم قَلْبِهَا أَن تَكُوْن مِثْلَهُم وَتُغَنِّي فِي الْإِذَاعَة وَإِذَا بِحُلْم الْفَتَاة يَتَحَقَّق فَقَد سَمِع عَنْهَا الْأُسْتَاذ حُسَيْن طَه زَكِي مُرَاقِب الْإِذَاعَة فِي ذَلِك الْوَقْت فَاثْنِي عَلَيْهَا وَوَافَق عَلَي تَقْدِيْمُهَا لِلْمُسْتَمِعَيْن لِيَسْتَمْتِعُوْا بِهَذَا الْصَّوْت وَهَكَذَا غَنَّت عَائِشَة لِأَوَّل مّرَّة فِي الْإِذَاعَة أُغْنِيَة الْبِلال تَزُوْرُنِي
وَبَعْد الْنَّجَاح الْهَائِل وَالرَّسَائِل الَّتِي انْهَالَت عَلَي الْإِذَاعَة مِن الْمُسْتَمِعِيْن اطْمَأَنَّت عَائِشَة لمُسْتَقَبْلَهَا الْفَنِّي كَفَنَانَة وَزَادَت مَعْنَوِيَّاتِهَا وَشَقَّت طَرِيْقِهَا بِثِقَة وَكَانَت سَعِيْدَة جَدَّا عِنَدَمّا تَقَاضِت مَبْلَغ خَمْسَة جُنَيْهَات كَأَجْر لَهَا مِن الْإِذَاعَة فَفَرِحْت وَاشْتَرَت خَّرُوْفَا وَأَقَامَت حُفَّلا لأَقَارَبِهَا وَأَصْدِقَائِهَا ابْتِهَاجا بِهَذِه الْمُنَاسَبَة
تَزَوَّجَت عَائِشَة فِي بِدَايَة حَيَاتُهَا مَن شَاب وَعَاشَا مَعَا فَتْرَة طَوِيْلَة وَأَنْجَبَت وَلَدَا إِلَا أَن زَوَاجِهَا لَم يَكْتُب لَه الْنَّجَاح وَعَاشَت مُزَعْزِعَه وَقَلِقَة فِي تِلْك الْفَتْرَة وَلَكِن سَرْعَان مَا اسْتِعَادَة الْأَمَل وَاسْتَمَرَّت فِي الِانْطِلَاق نَحْو رِسَالَتَهُا الْفَنِّيَّة
وَعَادَت تُغْنِي وَقَفَزْت لِلْقِمَّة عِنَدَمّا غَنَّت لِلْجُنُود الْبَوَاسِل بِالْمَيْدَان تَسْال الْلَّه أَن يُعِيْدَهُم مُنْتَصِرِيْن وَهَكَذَا لَاقَت أُغْنِيَة يِجُوْا عَايدَين نَجَاحَا مُنْقَطِع الْنَّظِيْر وَلَا تَزَال هَذِه الْأُغْنِيَة تَحْتَل مَكَانَة كَبِيْرَة فِي نُفُوْسِنَا
وَبَعْد ذَلِك وَاصَلَت نَشَاطَهَا وَازْدَادَت مَحَبَّة وَإِعْجَاب لَدَي الْمُسْتَمِعِيْن وَخَاصَّة عِنَدَمّا غَنَّت الْأَغَانِي الْقَدِيْمَة الَّتِي تَتَجَلَّى فِيْهَا الْرُّوْح الْسُودَانِيَّة الْأَصِيلَة وَكَان مِن الْطَّبِيْعِي أَن يَهْتَم بِهَا الْشُعَرّاء وَالمُلحَنُون
وَهَكَذَا غَنَّت لِلْشَّاعِر عَبْدِالْرَّحْمَن الرِّيَح وَلِلشَاعِر عَلَي مَحْمُوْد وَعَبْدَالمُنِعم عَبْد الْحَي وَلَفَّت صَوْت عَائِشَة الْمُطْرِب احْمَد عَبْدُالْرَّازِق حَيْث أُحِس فِي صَوْت عَائِشَة تَعْبِيْرَات مُؤْثَرَة أَوْحَت إِلَيْه بِإِمْكَانِيَّة اسْتِغْلَال هَذَا الْصَوُت فِي عَمَل فَنِي مُشْتَرِك وَهَكَذَا تَعَاوُن مَعَهَا فِي وَضْع لِحَنِين لْأَغَنِّيَتَين شَارَكَا فِيْهِمَا بِالْأَدَاء وَكَانَتَا بِلَا شَك مِن الْأَعْمَال الْجَيِّدَة لَفَتَت أَنْظَار الْمُعْجَبِيْن إِلَيْهِمَا كَانَت الْأُغْنِيَة الْأُوْلَى الرِّيَدَة وَالْثَّانِيَة يَا جَافِي حَرَام
وَهَكَذَا تَأَلَّق نَجْم الْفَنَّانَة عَائِشَة الْفَلَاتِيَة وَابْتَسَمَت لَهَا الْحَيَاة وَتَغَلْغَل فَنَهَا فِي نُفُوْس الْمُسْتَمِعِيْن
وَفِي مَجَال الْمُنَاسَبَات الْمُوُسِمِيّة كَانَت لَا تَمْر مُنَاسَبَة تَحْتَفِل بِهَا الْدَّوْلَة إِلَّا وَكَانَت فِي مُقَدِّمَة الْمُشَارِكِيْن وَفِي مُنَاسَبَات رَسْمِيَّة كَثِيْرَة كَانَت ضِمْن الْبَعَثَات
وَفِي احْتِفَال نَيْجِيرْيَا بِعِيْدِهَا الْقَوْمِي وُجِّهَت لَهَا دَعْوَة شَخْصِيَّة عَن طَرِيْق وَزَارَة الْإِعْلَام نَظَرا لِلْمَكانَة الْكَبِيْرَة الَّتِي تَحْتَلُّهَا فِي نُفُوْس الْشَّعْب الَنَيْجِيْري وَكَانَت تَحْفَظ بَعْض الْأَغَانِي بِلَهْجَة قَبَائِل نَيْجِيرْيَا وَتُغَنِّيْهَا لَهُم عَلَي طَرِيْقَة الْأَلْحَان الْسُودَانِيَّة فَلَاقَت اسْتِحْسَانا وَقَبُوْلِا كَبِيْرا
وَلِعَائِشَة الْفَلَاتِيَة الْآَن مَا يُقَارِب سِتِّيْن أُغْنِيَة كَمَا لَهَا بَعْض التَسْجِيلَات فِي إِذَاعَة ام دُرْمَان وُلِنَدْن وَالْكُوَيْت وَالْسُّعُوْدِيَّة وَأثْيُوبيّا وَالْصُّوْمَال وَقَد سَجَّل بَرِيْد الْمُسْتَمِعِيْن اكُثّرا مِن مَرَّة رَقْما كَبِيْرا لأَغَانِيُّهَا الْنَاجِحَة وَمَن اشَهْرَهَا الْمَوَدَّة ـ سَافَر حَبِيْب الْرُّوْح ـ الْبُرْتُقَال ـ الْمَمْنُوْع وِصَالُه
وَلَم يَقْتَصِر نَشَاطَهَا عَلَي الْأُغْنِيَة الْعَاطِفِيَّة فَغَنَّت لِلْعِيْد وَرَمَضَان وَأَنْشَدَت الْأَغَانِي الْدِّيْنِيَّة وَلَم تَتْرُك مُنَاسَبَة وَطَنِيَّة إِلَا وَشَارَكَت فِيْهَا بِحَمَاس وَمَن بَيْنَهَا نَشِيْد يَا بِلَادِي وَشَعْب الْسُّوْدَان يَا بَطَل وَأُغْنِيَّة بِلَادِي حُلْوَة
عَائِشَة الْفَلَاتِيَة تَرَبَّعْت عَن جَدَارَة عَلَي عَرْش الْغِنَاء فِي الْسُّوْدَان طِيَلَة مَا يَقْرُب ثَلَاثِيْن عَاما وَتَرَكْت وَرَاءَهَا ثَرْوَة فَنِّيَّة لَا يُسْتَهَان بِهَا تُؤَكِّد أَصَالَتِهَا الْفَنِّيَّة وَإِخَلاصَهَا لِفَنّها. 

مِن اغنَبَات لِكَوْكَب الْارْض .
 اضغط هنا-للاستماع و تنزيل اغاني عائشة الفلاتية من سمعنا
اضغط هنا-الملاك السامي-عائشة الفلاتية علي يو تيوب 
اضغط هنا-اعاني عائشة الفلاتية علي الاذاعة السودانية 

صلاح بن البادية


فات الاوان - صلاح بن البادية


لّفّنّان صَلَاح بْن الْبَادِيَة اسْم فَنِي لِسُلَيْل اسْرَة ابُو قُرُوْن الْعَرِيْقَة فِي الْدِّيْن.

ان صَلَاح بْن الْبَادِيَة عِلْم غَنِي عَن الْتَّعْرِيْف فِي عَالَم الْأُغْنِيَة الْسُودَانِيَّة، وَيُعْتَبَر مِن رُوَّاد الْأُغْنِيَة الْسُودَانِيَّة الَّذِيْن عَمِلُوٓا فِي مَجَال كِتَابَة الْشِّعْر وَالتَّلْحِيْن وَالْأَدَاء الْمُمَيِّز، وَكَان الْعَام 1959م بِدَايَّة انْطِلَاقَة مَسِيْرَتِه الْفَنِّيَّة الَّتِي خَلَّدَت فِي وُجْدَان الْشَّعْب الْسُّوْدَانِي وَخَلَقْت لَه قَاعِدَة عَرِيْضَة وَكَبِيْرَة مِن الْجُمْهُوْر، أَسْهَم صَلَاح بْن الْبَادِيَة بِدَوْرِه فِي تَشْكِيْل خَارِطَة الْغِنَاء السَّوْدَانِي وَتُمَيِّز بِعُنْصُر الْتَّطْرِيْب الَّذِي مَازَال يَحْتَفِظ بِه، نَجَح فِي تَجْرِبَتِه الِلحِنِيّة و الْشِّعْرِيَّة وَفِي الْتَّمْثِيْل ظَل مُحَافِظَا عَلَى جِمَال أَدَائِه (الْرَّائِد) الْتَقَت بِرُوَّاد الْشِعَر و الْتَّلْحِيْن فِي حَدِيْث عَن مَسِيْرَة الّفّنّان الْرَّائِع صَلَاح بْن الْبَادِيَة مُهَنَّئَيْن لَه بِعَوْدَتِه مِن أَرْض الْكِنَانَة.
الْشَّاعِر مُحَمَّد يُوْسُف مُوْسَى قَال: إِن الّفّنّان الْكَبِيْر صَلَاح بْن الْبَادِيَة اثَرِى مَكْتَبَة الْإِذَاعَة و الْتِّلْفِزْيُون بِالْعَدِيْد مِن الْرَّوَائِع الَّتِي كَانَت نِتَاجَا لْمُسِيرَتِه الْغِنَائِيَّة وَالْفَنِّيَّة الْمُشَرَّفَة وَالَّتِي نَّقْدُرْهَا تَمَامَا وَنُعِدُّها فِي مَصَاف الْتَّجَارِب الْفَنِّيَّة الْرَّائِدَة لِلْأَغْنِيَة الْسُودَانِيَّة الْحَدِيثَة، وَبِحُكْم عِلَاقَتِي بِابْن الْبَادِيَة وَمَعْرِفَتِي بِفَنِّه جَيِّدا أَنَّه (لَا يُمْكِن أَن يَنَافِس صَلَاح بْن الْبَادِيَة إِلَّا صَلَاح بْن الْبَادِيَة) فَقَد عَرَفْت فِيْه كُل الْصِّفَّات الَّتِي يُتَمَتَّع بِهَا الّفّنّان الْأَصِيْل فَهُو صَادِق فِي تَعَامُلِه مَع كُل الَّذِيْن عَرَفُوْه مِن شُّعَرَاء وملحُنِين وَمُطَرَبَين وَعَازِفِيْن وَإِعْلامِّيِّين، فَهُو إِلَى جَانِب ذَلِك رَجُل خَلُوْق وَاجْتِمَاعِي مِن الْطِّرَاز الْأَوَّل وَنَجِدُه دَائِمَا فِي الْمُقَدِّمَة فِي كُل الْمُنَاسَبَات. وَأَضَاف مُحَمَّد يُوْسُف مُوْسَى: الّفّنّان صَلَاح بْن الْبَادِيَة فِي اخْتِيَار مَجْمُوْعَة مِن الْكَلِمَات الَّتِي لَم تَأْلَف الْأُذُن الْسُودَانِيَّة سَمَاعِهَا وَهَذَا يَدُل عَلَى ثِقَتِه فِي نَفْسِه، إِلَى جَانِب إِسِهَامَاتِه فِي الْإِنْشَاد وَالْمَدِيح و الْشَّعْر وَالتَّمْثِيْل و مَا قَدَّم مِن إِبْدَاعَات لَا حَصْر لَهَا، أَسْأَل الْلَّه لَه الصِّحَّة و الْعَافِيَة، وَأَن يُتْحِفُنَا بِالْمَزْيَد مِن إِبْدَاعَاتِه الَّتِي عَرَفْنَاهَا عَنْه.
الّفّنّان عَبْد الْقَادِر سَالِم عَبْر فِي حَدِيْثِه لـ(الْرَّائِد) عَن سَعَادَتَه بِعَوْدَة الّفّنّان صَلَاح بْن الْبَادِيَة مُعَافَى مِن الْقَاهِرَة وَقَال ابْن الْبَادِيَة رَمْز ضَخْم مِن رُمُوْز الْأُغْنِيَة الْسُودَانِيَّة، وَقُدِّم أَعْمَالا رَائِعَة جَدَّا وُجِدَت الْقَبُوْل الْكَبِيْر و الْتَّقْدِيْر مِن قِبَل أَهْل الْفَن و الْجُمْهُوْر.
صَلَاح بْن الْبَادِيَة فَنَّان شَامِل قَدِم الْكَثِيْر مِن الْأَعْمَال الْغِنَائِيَّة الَّتِي وُجِدَت الْرَّوَاج وَيَسْتَحِق التَّكْرَيِم عَلَى مَا قَدَّم بِاعْتِبَارِه فَنَّانْا رَائِدَا يَحْتَفِظ بِالْرَّوْعَة ، كَمَا شَارَك أَيْضا بِالتَّمْثِيْل إِلَى جَانِب مَوْهِبَة الْتَّلْحِيْن وَأُؤَكِّد عَلَى أَنَّه يَجِب أَن يَجِد الْتَّقْدِيْر مِن مُنَظَّمَات الْدَّوْلَة وأرَشَّحَه للدُّكْتُوَرَاه الفُخَرِيَّة وَهُو شَاعِر وَرَجُل عِصَامِي عِلْم نَفْسُه بِنَفْسِه.
وَنَحْن قَبِيْلَة أَهْل الْفَن نَفْتَخِر بِصَلَاح وَبِإبَداعَاتِه وَأَكْثَر مَا يُمَيِّزُه خَلْقِه الْحَسَن وَقَد لَعِب دَوْرَا كَبِيْرَا فِي اتِّحَاد الْمِهَن الْمُوْسِيْقِيَّة فِي الْعَدِيْد مِن الْإِدَارَات.
الْأَمِيْن الْعَام لِاتِّحَاد لِشُعَرَاء الْأُغْنِيَة الْسُودَانِيَّة الْشَّاعِر تَاج الْسِّر عَبَّاس قَال فِي حَدِيْث لـ(الْرَّائِد): الّفّنّان صَلَاح بْن الْبَادِيَة أَحَد أَعْمِدَة الْفَن و الْغِنَاء فِي الْسُّوْدَان وَتَشْهَد مَسِيْرَتِه الْفَنِّيَّة لَه بِذَلِك وَقَد عَرَفْنَاه مُطْرِبَا ومَلَحْنا وَكَاتِبَا وَمَادِحا ومُمَثِّلَا، وَهُو فَنَّان شَامِل وَلَه الْكَثِيْر مِن الْأَعْمَال الْفَنِّيَّة و الْوَطَنِيَّة، وَسُجِّل الْعَدِيْد مِن الْأَعْمَال الْغِنَائِيَّة فِي الْإِذَاعَة و الْتِّلْفِزْيُون.
وَمِن خِلَال مَسِيْرَتِه الْفَنِّيَّة يُعْتَبَر هُو الْنَّمُوذَج الْأَمْثَل لِلْفَنَّان الْإِنْسَان وَعُرِف بِالْكَرَم و الْبَسَاطَة وَالْمُجَامَلَة ومُنْضبْط أَدَاء وَسُلُوكَا، وَبِحَمْد الْلَّه رَغْم الْسَّنَوَات فَمَا زَال ابْن الْبَادِيَة صَاحِب صَوْت قَوِي وَحُضُوْر طَاغ وَأَبْعَث لَه عَبْر (الْرَّائِد) بِالْتَهَانِي وَالْأَمَانِي الْطَّيِّبَة.
الّفّنّان عَبْد الْكَرِيْم الْكَابُلِي أَكَّد أَن صَلَاح بْن الْبَادِيَة مِن الَّذِيْن أَسْهَمُوا فِي تَشْكِيْل لَوَحَة الْغِنَاء السَّوْدَانِي وَكَان إِضَافَة حَقِيْقِيَة وَطَيِّبَة، وَمُنْذ ظُهُوْرِه فِي الْسَّاحَة الْفَنِّيَّة تُمَيِّز بِصَوْتِه الْقَوِي وَأَدَائِه الْمُمَيِّز، وَمَن ثُم ظَهَرَت مَوْهِبَتُه فِي وَضْع الْأَلْحَان وَأَتَمَنَّى لَه التَّوْفِيِق و الْسِّدَاد وَقَد سُعِدْنا بِعَوْدَتِه سَالِما مُعَافَى مِن مَدِيْنَة الْقَاهِرَة وَنَنْتَظِر مِنْه الْمَزِيْد مِن الْعَطَاء.
الّفّنّان الْأَمِيْن الْبَنَّا أَشَاد بِتَجْرِبَة الّفّنّان صَلَاح بْن الْبَادِيَة وَالَّذِي اعْتَبَرَه رَائِدَا مِن رُوَّاد الْأُغْنِيَة الْسُودَانِيَّة الْحَدِيثَة، وَأَضَاف: ابْن الْبَادِيَة مِن أَجْمَل الْأَصْوَات الْسُودَانِيَّة الَّتِي عُرِفَت بِالعَفَوّيّة وَالْنَّقَاء وَشَخْصِيَّتَه الْكَرِيْمَة فَهُو مِن أُسْرَة تَشَرَّبَت بِطَبِيْعَة أَهْل الْبَادِيَة وَمَسِيرَتَه الْفَنِّيَّة وَالْغِنائِيّة لَا يُمْكِن الْحَدِيْث عَنْهَا فِي سُطُوْر، وَيَعُوْد إِلَيْه الْفَضْل فِي اتِّجَاه الْعَدِيد مِن أَبْنَاء أُسْرَتِه، نَتَمَنَّى لَه الْشِّفَاء وَالْعَطَاء الْمُسْتَدَام.
الّفّنّان د. أَنَس الْعَاقِب أَكَّد أَن الّفّنّان ابْن الْبَادِيَة صَوْت سُوْدَانِي أُصَيْل امْتَزَج فَنِّه بِفُنُوْن الْتَّصَوُّف وَالْغِنَاء الْشَّعْبِي وَحِفْظ وَتِلَاوَة الْقُرْآَن الْكَرِيْم، وَتَشْرَب بِإِيْقَاعَات الصُّوْفِيَّة وَأَسَالِيْب تَكْوِيْن الْأَلْحَان ، كَمَا أَن لَه صَوْت يُعَد مِن أَوْسَع الْأَصْوَات فِي تَارِيْخ الْغِنَاء السَّوْدَانِي، وَلَا يُوْجَد لَه مَثِيْل أَو شَبِيْه فِي الْحَرَكَة الْغِنَائِيَّة، وَيَتَمَيَّز أَدَاؤُه الْغِنَائِي بِالتَعْبَيرِيّة عَالِيَة الْحَسَاسِيَّة فِي تَفْسِيْر الْلَّحْن وَالْكَلِمَات، وكُمُلَحْن اسْتَطَاع فِي وَقْت وَجِيْز جَدَّا أَن يُؤَسِّس لَمَدْرَسَة نَافَسَت الْعَدِيْدِيْن مُقَدَّمَا أَجْمَل الْأَلْحَان فِي تَارِيْخ الْغِنَاء خِلَال فَتْرَة الْسِتِّينَات وَالسَبْعْيِّنَات مِن أَبْرَزِهَا (كَلِمَة، وَلَيْلَة الْسَّبْت) و الْعَدِيْد مِن الْأَلْحَان الْجَمِيْلَة.
وَأَضَاف د. الْعَاقِب أَن أَكْثَر مَا يُمَيِّز صَلَاح بْن الْبَادِيَة هُو حِرْصِه عَلَى تَجْوِيْد الْأَدَاء الْمُوُسِيِقِي، وَفَوْق ذَلِك يَتَمَيَّز بِالشَّفَّافِيَّة، وَالْصَّرَاحَة، وَالْوُضُوْح، وَهُو أَحَد عَمَالِقَة خَارِطَة الْغِنَاء فِي الْسُّوْدَان وَهُو أَيْضا مُمَثِّل مِن أَوَائِل الْفَنَّانِين الَّذِيْن مَثَّلُوُا فِي السِّيْنَمَا وَالْمَسْرَح وَلَه تُجَرِّبَه مُمَيَّزَة فِي الْشِّعْر وَالْمَدِيح وَهَذَا إِن دَل عَلَى شَيْء إِنَّمَا يَدُل عَلَى إِنَّه فَنَّان شَامِل وَكَنْز مِن كُنُوْز الْفَن وَذَّخِيْرَة فَنِّيَّة قَيِّمَة

اضغط هنا-للاستماع و التنزيل لاغاني صلاح بن البادية من سمعنا 
اضغط هنا-لتنزيل اكثر من 65 اغنية لصلاح بن البادية 
اضغط هنا-اغاني صلاح بن البادية من الاذاعة السودانية 

التاج مصطفي


التاج مصطفي-الملهمة


وُلِد الّفّنّان الْمُهَنْدِس الْتَّاج مُصْطَفَى فِي بِدَايَات سَنَوَات الْعُقَد الْثَّانِي مِن الْقَرْن الْعِشْرِيْن بِقَرْيَة الْشَّيْخ الْطَيِّب شِمَالِي أُم دُرْمَان وَهِى الْمِنْطَقَة الَّتِي تُلْقَى فِيْهَا تَعْلِيْمِه الْدِّيْنِي بِخَلاوِيُّهَا مِمَّا كَان لَه أَثَرَا فِي جَعْلِه مَلَمَّا بِالْلُغَة الْعَرَبِيَّة الْفُصْحِى الَّتِي ظَهَرَت مَخَارِجُهَا السَّلِيْمَة فِي مَا بَعْد عَبْر أَغْنِيَاتِه الْفَصِيحَة.
فِي بِدَايَة الثَلاثِينِّيَات كَانَت هِجْرَة أُسْرَتِه إِلَى حَي الْعَرَب بِأُم دُرْمَان، وَفِى هَذِه الْأَجْوَاء الْمَمْزُوجَة بِالصُّوفِيّة وَالْغِنَاء الَّذِي اشْتَهَر بِه حَي الْعُرْب كَانَت حَيَاتُه فِي تِلْك الْسَنَوَات الَّتِي تَوَزَّعْت مَابَيْن الْدِّرَاسَة وَمُتَابَعَة الْحَيَاة الْفَنِّيَّة فِي حَي ضَم أَسَاطِيْن الْمَشْهَد الْغِنَائِي فِي تِلْك الْفَتْرَة، وَهُم سَيِّد عَبْد الْعَزِيْز، وَعُبَيْد عَبْد الْرَّحْمَن، وَالأُسْطُورَة الَّتِي لَا تَتَكَرَّر عَبْد الْرَّحْمَن الرِّيَح، وَفِى هَذَا الْحَي كَانَت (غَشَوَات) الْمُهْتَمِّين بِالْغِنَاء مِن أَسَاطِيْنِه غَنَّاءَا وَنُظِمَا شَعْرِيّا، وَهُم الْشَّاعِر صَالِح عَبْد الْسَّيِّد (أَبُو صَلَاح) الَّذِي كَان يَسْكُن حِيْنَهَا بِالْمُسْالَمَة (أَي فِرِكْه كَعْب) وَيَكُوْن مَع أَصْدِقَائِه الْشُّعَرَاء مِن سَاكِنِي الْحَي، إِضَافَة إِلَى إِبْرَاهِيْم الْعَبَّادِي الَّذِي كَان بِمَثَابَة الْأَب لِكُل الْشُّعَرَاء وَالْفَنَّانِين، كَذَلِك الْكَرَوَان كْرومَة، وَالْعَمِيد الْأَوَّل الْحَاج مُحَمَّد احْمَد سُرُوْر.
فِي أَجْوَاء كَهَذِه كَان لَابُد لِلْفَتَى الْتَّاج مُصْطَفَى مِن الْتَّأَثُّر بِالْمُحِيْط الَّذِي يَعِيْش فِيْه، قَبْل أَن يَبْلُغ سِن اتِّخَاذ الْقَرَار فِي الْوُلُوُج إِلَى عَالِم الْغِنَاء الْحَق بِالْمَعْهَد الْعِلْمِي نُزُوْلَا عَلَى رَغْبَة أَهْلِه الْمُتَصَوِّفَة، فَلَم يُكْمِل دِرَاسَتُه الْدِّيْنِيَّة بِه، لِيَتَتَلْمَذ عَلَى ايْدِي مُحْتَرِفِي صِنَاعَة الْمِعْمَار، وَيُقَال أَن أَشْهُر رِجَالات الْبِنَاء فِي تِلْك الْفَتْرَة كَان وَالِد الّفّنّان إِبْرَاهِيْم عِوَض الْحَاج عِوَض عَبْد الْمَجِيْد الْكُنَزَى وَالَّذِي يُقَال انَّه تَتَلْمَذ عَلَى يَدَيْه، وَتُلْقَى أَسْرَار حِرْفَة الْبِنَاء الْمِعْمَارِي الْحَدِيْث.
تُعْتَبَر الْفَتْرَة مِن الْعَام 1939م وَحَتَّى الْعَام 1942م هِي فَتْرَة اشْتِغَال الْفَتَى بِتَرْدِيد أُغْنِيَات الْحَقِيبَة، وَبَعْدَهَا كَانَت مُوَافِقَة أُسْرَتِه عَلَى وَلِوَجْه عَالِم الْغِنَاء لِاسْتِقَامَتِه وَعَدَم مُقَارَبَتِه، مَا يَجْعَل الْنَّاس يَرْفُضُوْن تَوَاجُدِه وَسَط عَالَم الْغِنَاء وَالْمُغَنِّين.
شَهِد شَهَّر يُوَلْيُو مِن الْعَام 1942م دُخُوْل عُنْصُر غَنَائِي جَدِيْد لْعَالَم الْغِنَاء وَهُو الّفّنّان صَاحِب الْحَنْجَرَة الْقَوِيَّة وَالتَّطَرِيبِيّة الّفّنّان عُثْمَان الْشَّفِيع وَذَلِك عَبْر أَثِيْر الْإِذَاعَة الْسُودَانِيَّة، وَتَلَاه بِشَهْر وَاحِد فنَانِنا الْتَّاج مُصْطَفَى الَّذِي مَنَح الْسَّاحَة صَوْتَا غِنَائيّا تَفَرُّدَا، وَقَف مِن بَعْد ذَلِك الْكَثِيْرُوْن مُشيدّين بِه.
كَان نَادِي الْحَدِيْد هُو الْنَادِي الَّذِي شَهِد بِدَايَات تَغَنَّى الّفّنّان الْتَّاج مُصْطَفَى بِصُوْرَة تَغْلِب عَلَيْهَا الْمُؤَانَسَة وَتَزْجِيَة الْوَقْت (لَيْس بِصُوْرَة جَادَّة)، وَلَكِن بَعْد دُخُوْلِه الْإِذَاعَة الْسُودَانِيَّة كُمَغْنّى بَدَأ الْتَّعَامُل مَع عَدَد مِن الْشُّعَرَاء الْأَفْذَاذ وَهُم عَبْد الْرَّحْمَن الرِّيَح (إِنْصَاف)، عَبْد الْمُنْعِم عَبْد الْحَي (أَنَا سَهْرَان)، حُسْن عِوَض أَبُو الْعُلَا (بَرَاى بِشَيْل الْهَم) وَهِى الْأُغْنِيَة الَّتِي لَم يَسْتَمِع إِلَيْهَا الْنَّاس مِن خِلَال الْأَثِير الْإِذَاعِي، وَالْشَّاعِر الْطَّاهِر حُسْن السِّنِّي (سَيْب حَيَاتِي)، إِضَافَة إِلَى الْشُّعَرَاء عَلَى مَحْمُوْد الِتَنْقَارِى، اسْمَاعِيْل خُوَرْشِيْد، سَيْف الْدِّيْن الْدُّسُوقِي.
وَيُعْتَبَر الْتَّاج مُصْطَفَى مِن أَوَائِل الْفَنَّانِين الَّذِيْن بَحَثُوْا فِي أُمَّهَات الْكُتُب وَدَوَاوِيْن الْشِّعْر الْعَرَبِي الْقَدِيْم لِيَأْتِي بِالْجَدِيْد الْمُدْهِش، فَتَغَنَّى لِلْشُّعَرَاء عَبْد الْوَهَّاب الْبْيَاتِى بِأُغْنِيَتَيْن الْأُوْلَى (سُؤَال الْعِشْق) الَّتِي تُعْتَبَر مِن الْأَغَانِي غَيْر الْمُسَجَّلَة بِالَّإِذَاعَة.
تَغَنَّى كَذَلِك لِلْشَّاعِر الْعَرَبِي الْمَعْرُوْف الْشَّرِيف الْرَّضِي بِأُغْنِيَة لَم نَعْثُر عَلَيْهَا، أَمَّا أُغْنِيَة (رَب لَيْل يَاحَبِيْبِى ضَمِنَّا فِيْه الْسَّمَر) لِلْشَّاعِرَة الْمِصْرِيَّة مَحَاسِن رِضَا.
كَانَت فَتْرَة الْسِتِّينِيَات بِحَق فَتْرَة الْخُمَاسِي الْرَّائِد فِي عَالَم الْغِنَاء وَهُم إِبْرَاهِيْم الْكَاشِف، حُسْن عَطِيَّة، سَيِّد خَلِيْفَة، عُثْمَان حُسَيْن، الْتَّاج مُصْطَفَى، وَكَان مُنَافِسِيُّهُم مُحَمَّد وَرْدِي، وَعَبْد الْعَزِيْز مُحَمَّد دَاؤُوْد الَّذِي تَرَبَّع مُنْذ الْعَام 1965م عَلَى سُدَّة الْغِنَاء الْفَصِيح لِوَحْدِه.
فِي تِلْك الْفَتْرَة أَتَى الّفّنّان الْتَّاج مُصْطَفَى بِأُغْنِيَة قَلَبَت مَوَازِيّن الْغِنَاء رَأَسَا عَلَى عَقِب وَهِى أُغْنِيَة الْشَّاعِر اللُّبْنَانِي بِشَارَة الخُوَرَى (الْأَخْطَل الْصَّغِيْر) وَالَّتِي يَقُوْل مَطْلَعِهَا: الْمَهَا أَهْدَت إِلَيْهَا الْمُقْلَتَيْن.. وَالْظُّبَا أَهْدَت إِلَيْهَا الْعَنْقَا
أَمَّا أُغْنِيَة (الْمُلْهِمَة) فَجَاء مَطْلَعِهَا:
(نُوْر الْعُيُوْن أَنْت الْأَمَل.. طَال الْفِرَاق وَأَنَا فِي اشْتِيَاق)، وَهِي تُعْتَبَر مِن عِيُوُن الْغِنَاء السَّوْدَانِي قُدُيُمُه وَحَدِيْثُه.

الْمَعْلُوْمَة الْشَّامِلَة الْسَّابِقَة مِن مَوْسُوْعَة مَسَارِب

اضغط هنا-اغاني التاج مصطفي من الاذاعة السودانية 
اضغط هنا-للتنزيل و الاستماع لاغاني التاج مصطفي من سمعنا 
اضغط هنا-لتنزيل اكثر من 40 اغنية للتاج مصطفي 

محمود محمد طه




محمود محمد طه وجعفر نميري 


مَحْمُوْد مُحَمَّد طَه مُفَكِّر سُوْدَانِي (1909-1985). أَلَّف الْعَدِيد مِن الْكُتُب وَقُدِّم الْكَثِيْر مِن الْمُحَاضَرَات وَالْنَدَوَات وَقَام بِالْكَثِيْر مِن الأَنَشَطُه الْأُخْرَى فِي سَبِيِل الْتَّرْبِيِّه وَالْتوَعِيْه وَنُشِر الْفِكْرَة الْجُمْهُوْرِيَّة. عُرِف بَيْن أَتْبَاعِه وَمُحِبِّيْه وَأَصْدِقَائِه بِلَقَب الْأُسْتَاذ الَّذِي يَسْبِق اسْمُه دَائِمَّا عِنْد الْحَدِيْث عَنْه

مَوْلِدُه وَنَشْأَتُه
-وُلِد الاسْتَاذ مَحْمُوْد مُحَمَّد طَه فِي مَدِيْنَة رِفَاعَة بِوَسْط الْسُّوْدَان فِي الْعَام 1909م تَقْرَيْبَا، لِوَالِد تَعُوْد جُذُوْرَه إِلَى شِمَال الْسُّوْدَان، وَأَم مَن رِفَاعَة، حَيْث يَعُوْد نَسَبُه إِلَى قَبِيْلَة الرِّكَابِيَّة مِن فَرْع الرِّكَابِيَّة البِلِيَلاب نِسْبَة إِلَى الْشَّيْخ الْمُتَصَوِّف حُسْن وُد بِلَيْل مِن كِبَار مُتَصَوِّفَة الْسُّوْدَان.
-تُوُفِّيَت وَالِدَتُه – فَاطِمَة بِنْت مَحْمُوْد - وَهُو لَمَّا يَزَل فِي بَوَّاكِيْر طُفُوْلَتِه وَذَلِك فِي الْعَام 1915م تَقْرَيْبَا، فَعَاش الاسْتَاذ مَحْمُوْد وَأُخُوَّتِه الْثَّلاثَة تَحْت رِعَايَة وَالِدُهُم، وَعَمِلُوْا مَعَه بِالْزِّرَاعَة، فِي قَرْيَة الهُجِيلِيّج بِالْقُرْب مِن رِفَاعَة، غَيْر أَن وَالِدِه لَمَّا يَلْبَث أَن الْتَحَق بِوَالِدَتِه فِي الْعَام 1920م تَقْرَيْبَا، فَانْتَقِل الاسْتَاذ مَحْمُوْد وَأَخْوَانَه لِلْعَيْش بِمَنْزِل عَمَّتْهُم.
-بَدَأ الاسْتَاذ مَحْمُوْد تَعْلِيْمِه بِالَّدِّرَاسَة بِالْخَلْوَة، وَهِي ضَرْب مِن الْتَّعْلِيْم الْأَهْلِى، كَمَا كَان يَفْعَل سَائِر الْسُّوْدَانِيِّيْن فِي ذَلِك الْزَّمَان، حَيْث يُدَرِّس الَاطْفَال شَيْئا مِن الْقُرْآَن، وَيَتَعَلَّمُوْن بَعْضا مِن قَوَاعِد الْلُّغَة الْعَرَبِيَّة، غَيْر أَن عَمَّتَه كَانَت حَرِيْصَة عَلَى الْحَاقِه وَأَخْوَانَه بِالمَدارِس الْنِّظَامِيَّة، فَتَلَقَّى الاسْتَاذ مَحْمُوْد تَعْلِيْمِه الاوْلَى وَالْمُتَوَسِّط بِرِفَاعَة. وَمُنْذ سَنَى طُفُوْلَتِه الْبَاكِرَة هَذِه أَظْهَر الاسْتَاذ مَحْمُوْد كَثِيْرا مِن مَلَامِح الْتَمَيُّز وَالِاخْتِلَاف عَن أَقْرَان الْطُفُوْلَة وَالَّدِّرَاسَة، مِن حَيْث الْتَّعَلُّق الْمُبَكِّر بِمَكَارِم الْاخْلاق وَالْقِيَم الْرَّفِيْعَة، الْأَمْر الَّذِي لَفَت الَيْه أَنْظَار كَثِيْر مِّمَّن عَاش حَوْلَه.
-بَعْد اتْمَامَه لِدِرَاسَتِه الْوُسْطَى بِرِفَاعَة أَنْتَقِل الاسْتَاذ مَحْمُوْد فِي عَام 1932 إِلَى عَاصِمَة الْسُّوْدَان، الْوَاقِع حِيْنَهَا تَحْت سَيْطَرَة الاسْتِعْمَار الْبِرِيطَانِى، وَذَلِك لِكَى يَتَسَنَّى لَه الالْتِحَاق بِكُلِّيَّة غْرَدُون الْتَّذْكَارِيَّة، وَقَد كَانَت تُقَبِّل الْصَّفْوَة مِن الْطُّلاب الْسُّوْدَانِيِّيْن الَّذِيْن أَتِمُوا تَعْلِيْمُهُم الْمُتَوَسِّط، حَيْث دَرَس هَنْدَسَة الْمَسَاحَة. كَان تَأْثِيْرَه فِي الْكُلِّيَّة عَلَى مُحِيْطِه مِن زُمَلَائِه الْطَّلَبَة قَوِيّا، وَقَد عَبَّر أَحَد كِبَار الْأُدَبَاء الْسُّوْدَانِيِّيْن عَن ذَلِك الْتَّأْثِيْر بِقَوْلِه: (كَان الاسْتَاذ مَحْمُوْد كَثِيْر الْتَّأَمُّل لِدَرَجِة تَجْعَلَك تَثِق فِي كُل كَلِمَة يَقُوُلُهَا!)
-تَخْرُج الاسْتَاذ مَحْمُوْد فِي الْعَام 1936م وَعَمِل بَعْد تَخَرُّجِه مُهَنْدِسا بِمَصْلَحَة السِّكَك الْحَدِيْدِيَّة، وَالَّتِي كَانَت رِئَاسَتَهُا بِمَدِيْنَة عُطْبَرة الْوَاقِعَة عِنْد مُلْتَقَى نَهْر الْنِّيْل بِنَهَر عُطْبَرة، وَعِنْدَمَا عَمِل الاسْتَاذ مَحْمُوْد بِمَدِيْنَة عُطْبَرة أَظْهَر انْحِيَازا إِلَى الْطَّبَقَة الْكَادِحَة مِن الْعُمَّال وَصَغَار الْمُوَظَّفِيْن، رَغْم كَوْنِه مِن كِبَار الْمُوَظَّفِيْن، كَمَا أَثْرَى الْحَرَكَة الْثَّقَافِيّة وَالْسِّيَاسِيَّة بِالْمَدِيْنَة مِن خِلَال نَشَاط نَادَى الْخِرِّيجِين، فَضَاقَت الْسُّلُطَات الِاسْتِعْمَارِيَّة بِنَشَاطِه ذَرْعا، وَأَوْعَزْت إِلَى مَصْلَحَة السِّكَّة حَدِيْد بِنَقْلِه، فَتَم نَقُلْه إِلَى مَدِيْنَة كَسَلَا فِي شَرْق الْسُّوْدَان فِي الْعَام 1937م، غَيْر أَن الاسْتَاذ مَحْمُوْد تَقَدَّم بِاسْتِقَالَتِه مِن الْعَمَل فِي عَام 1941، وَأَخْتَار أَن يَعْمَل فِي قِطَاع الْعَمَل الْحُر كَمُهندِس وَمُقَاوِل، بَعِيْدَا عَن الْعَمَل تَحْت امْرَة الْسَّلَطَة الِاسْتِعْمَارِيَّة.كَان الاسْتَاذ مَحْمُوْد فِي تِلْك الْفَتْرَة الْمُحْتَشِدَة مِن تَّأْرِيْخ الْسُّوْدَان، وَفِى شُحُوْب غُرُوْب شَمْس الاسْتِعْمَار عَن أَفْرِيْقْيَا، عِلْما بَارِزا فِي الْنِضَال الْسِيَاسِى وَالثَقافِى ضِد الاسْتِعْمَار، مِن خِلَال كِتَابَاتِه فِي الْصُّحُف، وَمِن خِلَال جَهْرِه بِالْرَّأْى فِي مَنَابِر الْرَّأْى، غَيْر أَنَّه كَان مُنَاضِلا مِن طِرَاز مُخْتَلِف عَن مَأْلُوف الْسِيَاسِيِّيْن ،حَيْث كَان يَمْتَاز بِشَجَاعَة لَافِتَة، لَا تُقَيِّدُهُا تُحَسَبَات الْسِيَاسَة وَتَقَلُّبَاتِهَا، وَقَد أَدْرَك الْإِنْجِلِيْز مُنْذ وَقْت مُبَكِّر مَا يُمَثِّلُه هَذَا الْنُّمُوْذَج الْجَدِيْد مِن خُطُوْرَة عَلَى سَلَّطْتَهُم الِاسْتِعْمَارِيَّة، فَظَلَّت عُيُوْنِهِم مَفْتُوْحَة عَلَى مُرَاقَبَة نَشَاطَه.
-تَزَوَّج مِن آَمِنَة لَطَفِى عَبْد الْلَّه، وَهِي مِن اسْرَة لَطَفِى عَبْد الْلَّه الْعَرِيْقَة الْنَّسَب وَالْدِّيْن، وَالَّتِي تَنَتْمَى لِفَرْع الرِّكَابِيَّة الصَّادِقَاب، وَقَد كَان زَوَاجُهُمَا فِي أَوَائِل الْأَرْبَعِيْنَات مِن الْقَرْن الْمَاضِى. كَان أَوَّل أَبْنَاؤُه (مُحَمَّد) وَقَد نَشَأ فِي كَنَف أَبَوَيْه مُتَفَرِّدَا بَيْن أَتْرَابِه، غَيْر أَنَّه مَا لَم يَكَد يَخْطُو نَحْو سَنَى الْصِّبَا حَتَّى غَرِق فِي الْنَّيْل عِنْد رِفَاعَة فِي حَوَالَي عَام 1954، وَهُو لَمَّا يَتَعَد الْعَاشِرَة مِن عُمُرِه، وَقَد صَبَرْت أُمِّه آَمِنَة عَلَى فَقْدِه صَبْرا عَظِيْمَا. كَان الاسْتَاذ مَحْمُوْد وَقْتِهَا خَارِج رِفَاعَة، فَعَاد إِلَيْهَا عِنْدَمَا بَلَغَه الْخَبَر، وَتُلْقَى الْعَزَاء فِي أَبِنْه رَاضِيَا، قَائِلا لِمَن حَوْلَه: لَقَد ذَهَب أُبْنَى لْكِنْف أُب أَرْحَم مِنِّى! لَه مِن الْأَبْنَاء بَعْد أَبِنْه (مُحَمَّد) بِنْتَان هُمَا أَسْمَاء، وَسُمَيَّة.

الْحِزْب الْجُمْهُوْرِى
-فِي يَوْم الْجُمُعَة 26 أُكْتُوْبَر 1945م أَنْشَأ الاسْتَاذ مَحْمُوْد وَثُلَّة مِّن رِفَاقِه هُم: عَبْد الْقَادِر الْمَرْضَى، مُحَمَّد الْمُهْدَى الْمَجْذُوْب، يُوَسُف مُصْطَفَى الْتَنّى، مَنْصُوْر عَبْد الْحَمِيْد، مُحَمَّد فَضْل الْصِّدِّيق، مَحْمُوْد الْمَغْرَبِي، وَإِسْمَاعِيْل مُحَمَّد بَخِيْت حَبَّة، حِزْبا سِيَاسِيا أَسْمَوْه (الْحِزْب الْجُمْهُوْرِى)، حَيْث اقْتُرِح الْتَّسْمِيَة يُوَسُف مُصْطَفَى الْتَنّى، إِشَارَة لْمُطالَبَتِهُم بِقِيَام جُمْهُوْرِيَّة سُوِّدَانِيَّة مُسْتَقِلَّة عَن دَوْلَتِى الْحُكْم الثُّنَائِى.
-أُنْتُخِب الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد رَئِيْسَا لِلْحِزْب الْجُمْهُوْرِي فِي أُكْتُوْبَر عَام 1945 وَهُو نَفْس الْشَهْر الَّذِي نَشَأ فِيْه الْحِزْب. كَان الْحِزْب الْجُمْهُوْرِي حِزْبَا سِيَّاسِيَّا قَد كُتِب الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد بَيَانَه الْأَوَّل وَكَان الْأُسْتَاذ وَزُمَلَاؤُه أَوَّل مَن دَعَا لِلْنِّظَام الْجُمْهُوْرِي فِي الْسُّوْدَان بَيْنَمَا كَان حِزْب الْأُمَّة يَدْعُو إِلَى مَمْلَكَة تَحْت الْتَّاج الْبِرِيطَانِى وَالْحِزْب الإتِّحَادِي يَدْعُو إِلَى مَمْلَكَة مُتَّحِدَة مَع مِصْر

الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد أَوَّل سِجِّين سِيَاسِى

تَم سُجِن الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد بِوَاسِطَة الاسْتِعْمَار الإِنْجلِيَزَى الْمِصْرِي فِي شَهْر يُوْنِيُو مِن عَام 1946 فَكَان بِذَلِك أَوَّل سِجِّين سِيَاسِى فِي الْحَرَكَة الْوَطَنِيَّة ضِد الاسْتِعْمَار الإِنْجلِيَزَى الْمِصْرِي. تَم اسْتِدْعَاء الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد لِيَمْثُل أَمَام الْسُّلُطَات بَعْد تَصْعِيْد الْمُعَارَضَة لِلِاسْتِعْمَار (أَو مَا يُعْرَف بِمِلْء فَرَاغ الْحَمَاس) وَقَد تَم ذَلِك فِي صُوْرَة مَنْشُوْرَات بِالرُونْيُو تُوَزِّع بِالْلَّيْل وَبِالَّنَّهَار عَلَي الْمُوَاطِنِيْن وَتَحْمِل إِمُضَاءَات الْجُمْهُورِيِّين وَفِى صُوْرَة نَدَوَات وَخَطَب حَمَاسِيَة فِي الْأَمَاكِن الْعَامَّة. تَم سُجِن الْأُسْتَاذ لِأَنَّه رَفَض أَن يَمْضِى تَعَهَّدَا بِحُسْن الْسُّلُوك وَالْإِقْلَاع عَن الْتَّحَدُّث فِي الْسِيَاسَة لِمُدَّة عَام أَو يُسْجَن، فَلَمَّا رَفَض الْأُسْتَاذ الْإِمْضَاء قَرَّرُوْا أَن يَقْضِي عَامّا فِي الْسِّجْن عَلَى أَن يَتِم الْإِفْرَاج عَنْه مَتَى مَا أَمْضَى عَلَى الْتَّعَهُّد. لَم يَقْض الْأُسْتَاذ الْعَام الْمُقَرَّر لَه وَلَم يَمْض الْتَّعَهُّد وَمَع ذَلِك وَنِسْبَة لِمُقَاوَمَتِه لِقَوَانِيْن الْسِّجْن مِن دَاخِل الْسِّجْن وِلْمُقاوَمّة الْأَخَوَان الْجُمْهُورِيِّين مِن خَارِج الْسِّجْن فَقَد خَرَج بَعْد خَمْسِيْن يَوْمَا بِصُدُوْر عَفُو شَامِل عَنْه مِن الْحَاكِم الْعَام الْبِرِيْطَانِي.

فَتْرَة 1952 إِلَى 1967

1952: أَصَدُّرِالأُسْتَاذ مَحْمُوْد أُوُل كِتَاب بِعِنْوَان "قُل هَذِه سَبِيْلِي" وَتَوَالَت الْمَنْشُوْرَات وَالْمَقَالَات وَالْمُحَاضَرَات وَالْنَدَّوَات عَن مَوْضُوْع بَعَث الْإِسْلام مِن جَدِيْد.
1952- 1954: عَمِل الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد بِالْمُرتَّب الْشَّهْرِي كـمُهَنْدِس مَدَنِي لِشَرِكَة الْنُّوْر وَالْقُوَّة الْكَهْرَبَائِيَّة "الْإِدَارَة الْمَرْكَزِيَّة لِلْكَهْرُبَاء.. وَفِى عَام 1954 بَدَأ الاسْتَاذ مَحْمُوْد فِي الْعَمَل الْمَوْسِمِي كَمُهندِس فِي الْمَشَارِيْع الْخَاصَّة بِمِنْطَقَة كُوسّتِي - مَشَارِيْع الطُلمُبَات – كَان يَعْمَل كـ مُقَاوِل يَقُوْم بِالْجَانِب الْفَنِّي فِي الْمِسَاحَة وَتَصْمِيْم الْقَنَوَات وَالتَّنْفِيْذ عَلَي الْطَّبِيْعَة.1955: صَدَر كِتَاب "أَسَّس دُسْتُوْر الْسُّوْدَان" وَذَلِك قُبَيْل اسْتِقْلَال الْسُّوْدَان حَيْث نَادَى الْأُسْتَاذ فِيْه بِقِيَام جُمْهُوْرِيَّة رِئَاسِيَّة، فِدْرَالِيَّة، دِيْمُقْرَاطِيَّة، و اشْتِرَاكِيَّة.1958

: فِي نُوُفَمْبَر مِن نَفْس الْعَام تَم انْقِلَاب الْفَرِيْق عَبُّوْد وَقَد تَم حَل جَمِيْع الْاحْزَاب الْسِّيَاسِيَّة.. كُتِب الاسْتَاذ مَحْمُوْد خِطَابا لِحُكُومَة الْرَّئِيْس إِبْرَاهِيْم عَبُّوْد أَرْفَق مَعَه كِتَاب أَسَّس دُسْتُوْر الْسُّوْدَان وَطَالَب فِيْه بِتَطْبِيق مُقْتَرَح الْجُمْهُورِيِّين بِإِقَامَة حُكُوْمَة دِيْمُقْرَاطِيَّة، اشْتِرَاكِيَّة وفِدْرَالِيّة وَقَد تَم تَجَاهُل ذَلِك الْطَّلَب. وَاصِل الاسْتَاذ نُشِر أَفْكَارَه فِي الْمُنْتَدَيَات الْعَامَّة مِمَّا أَزْعَج الْقُوَى الْدِّيْنِيَّة وَالْدُّعَاة الْسَّلَفِيِّيْن.

1960: صَدَر كِتَاب الْإِسْلَام وَيُعْتَبَر هَذَا الْكِتَاب هُو الْكِتَاب الْأُم لِلْدَّعْوَة الْإِسْلَامِيَّة الْجَدِيْدَة..و قَد صَدَر بَعْد مَنْع عَمِل الاسْتَاذ فِي الْمُنْتَدَيَات الْعَامَّة وَدَوْر الْعِلْم بِوَاسِطَة الْسُّلُطَات كَمَا مُنِعَت كِتَاباتِه مِن الْنَّشْر فِي الْصُّحُف الْعَامَّة فَاتَّجَه إِلَى الْنَّدَوَات الْخَاصَّة فِيْمَا ازْدَاد نَشَاط الْدُّعَاة الْسَّلَفِيِّيْن فِي تَشْوِيْه أَفْكَارَه.فَأَخْرَج الْكِتَاب لِتَصْحِيْح الْتَّشْوِيه.

1966: تَرَك الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد عَمِل الْهَنْدَسَة نِهَائِيّا وَتَفَرَّغ تَمَامَا لِلْتَّأْلِيْف وَنُشِر الْفِكْرَة الْجُمْهُوْرِيَّة.

1966-1967 صُدِّرَت ثَلَاث مَن الْكُتُب الْأَسَاسِيَّة وَهِي "طَرِيْق مُحَمَّد" و"رِسَالَة الصَّلَاة" و"الْرِّسَالَة الْثَّانِيَة مِن الْإِسْلَام"..

قَوَانِيْن سَبْتَمْبَر وَأَعْتِقَال الْأ سْتَاذ 1983

أَخْرَج الْجُمْهْورِيُّون كِتَابَاعَن الْهَوَس الدَّيْنِى عَاى أَثَرِه أُعْتُقِل الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد وَمَعَه مَا يَقْرُب الْخَمْسِيْن مِن الْأَخَوَان وَالْأَخَوَات الْجُمْهُورِيِّين لِمُدَّة ثَمَانِيَة عَشَر شَهْرا. فِي نَفْس هَذَا الْعَام صَدَرَت قَوَانِيِن سَبْتَمْبَر 1983 وَالْمُسَمَّاة "بِقَوَانِيْن الْشَرِيعَة الْأَسَلُامِيِة" فَعَارِضُهَا الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد وَالْجُمْهْورِيُّون مِن دَاخِل وَخَارِج الْمُعْتَقَلَات.
إِعْدَام الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد 1985

فِي 25 دِيْسَمْبَر 1984 أَصْدَر الْجُمْهْورِيُّون مَنَشورِهُم الْشَّهِيْر "هَذَا أَو ال 591;وَفَان" فِي مُقَاوَمَة قَوَانِيْن سَبْتَمْبَر دِفَاعَا عَن الْإِسْلَام وَالْشَّعْب السُّوَدَانّى. أُعْتُقِل الْجُمْهْورِيُّون وَهُم يُوْزَعُوْن الْمَنْشُور وَاعْتُقِل الْأُسْتَاذ وَمَعَه أَرْبَعَة مِن تَلَامِيْذِه وَقَدَّمُوْا لِلْمُحَاكَمَة يَوْم 7 يَنَايِر 1985 وَكَان الْأُسْتَاذ قَد أُعْلِن عَدَم تُعَاوِنُه مَع تِلْك الْمُحْكَمَة الْصُّوَرِيَّة فِي كَلِمَة مَشْهُوْرَة فَصَدْر الْحُكْم بِالأعِدَام ضِدَّه وَضِد الْجُمْهُورِيِّين الْأَرْبَعَة بِتُهْمَة أَثَارَة الْكَرَاهِيَة ضِد الْدَّوْلَة..حُوِّلَت مُحْكَمَة أُخْرَى الْتُّهْمَة إِلَى تُهْمَة رِدَّة..و أَيِّد الْرَّئِيْس جَعْفَر نُمَيْرَى الْحُكْم وَنَفَذ فِي صَبَاح الْجُمْعَة 18 يَنَايِر 1985

الْمَقَال مِن وِيْكِيْبِيْدِيَا

ابراهيم الصلحي


ابراهيم الصلحي-الهوية والتراث

إِبْرَاهِيْم الْصِّلْحِي فَنَّان سُوْدَانِي وَلَد بِمَدِيْنَة أُمْدُرْمَان فِي الْخَامِس مِن سَبْتَمْبَر عَام1930م
وَفِي أُمْدُرْمَان تَلْقَى تَعْلِيْمِه الْعَام وَالْثَّانَوِي إِلَى أَن الْتَحَق بِمَدْرَسَة الْتَصْمِيْم فِي كُلِّيَّة غْرَدُون الْتَّذْكَارِيَّة، 1948.
قَضَى الْصِّلْحِي فِي مَدْرَسَة الْتَصْمَيَم ثَلَاث سَنَوَات يُدَرِّس الْرُّسُم وَالتَّلْوِيْن وَدَرَّس بِهَا قَبْل أَن يُبْعَث لِبَرِيطَانِيَّا لَمُوَاصَلَة دِرَاسَتُه فِي مَدْرَسَة سلِيد لِلْفُنُون بِجَامِعَة لَنْدَن فِي الْنِّصْف الْثَّانِي مِن الْخَمْسِيْنِيَّات. وَبَعْد أَن قَضَى الْنِّصْف الْأَوَّل مِن الْسِتِّينِيَات يُدَرِّس الْرُّسُم وَالتَّلْوِيْن لِطُلاب كُل...يَّة الْفُنُوْن الْجَمِيْلَة وَالْتَّطْبِيْقِيَّة بِالْخُرْطُوْم، سَافَر صُلْحِي لنُيُويورُك لِدِرَاسَة الْتَصَوَيْر الْفُوتُوغْرَافِي لِمُدَّة عَام فِي جَامِعَة كُوَلُومْبِيَا]
يَقُوْل الْصِّلْحِي أَن تَدْرِيْبَه الْفَنِّي قَد بَدَأ وَهُو طِفْل فِي الْثَّانِيَة مِن عُمُرِه
حِيْن كَان فِي خَلْوَة وَالِدِه شَيْخ الْصِّلْحِي يُحَاوِل نُسِخ الْكِتَابَات وَالشْرَافَّات
عَلَى أَلْوَاح الْخَلْوَة.
وَالْنَّاظِر فِي أَعْمَال الْصِّلْحِي الْقَدِيْمَة و الْحَدِيثَة يَلْمِس بِسُهُوْلَة أَن الْرَّجُل
لَم يَنْقَطِع أَبَدا عَن تَعَلُّم الْتِّقْنِيَّات وَالْأَسَالِيْب الْجَدِيْدَة وَاسْتِكْشَاف الْرُّؤَى
الْإِبْدَاعِيَّة الْمُخَالَفَة لِكُل مَا عَهِد عَنْه فِي أَوْقَات سَابِقَة. كُل هَذَا أَهَّلَه لِأَن
يَكُوْن بَيْن الْقِلَّة مِن أَبْنَاء جِيْلِه مِمَّن لَا تَزَال مُمَارَسَة الْرُّسُم عِنْدَهُم هَمَّا
يَوْمِيّا.
وَأَهَمِّيَّة الْصِّلْحِي فِي مَشْهَد الْتَّشْكِيْل السَّوْدَانِي الْمُعَاصِر إِنَّمَا تَتَأَتَّى مِن
طَرِيْقَة الْرَّجُل الْرَّائِدَة فِي مُقَارَبَة الْمُمَارَسَة الْفَنِّيَّة بِانْتِبَاه نَوْعَي لِبُعْدِهِا
الِاجْتِمَاعِي.
وَهُو أَمْر لَم يَنْتَبِه لَه جِيْل الْرَسَامِين الْسُّوْدَانِيِّيْن الَّذِيْن سَبَقُوَا الْصِّلْحِي،
بَل لَّم يَنْتَبِه لَه نَفَر كَثِيْر مِن جِيْل الْصِّلْحِي نَفْسِه.
وَمُمَارَسَة الْرُّسُم عِنْد الْصِّلْحِي لَا تَقْتَصِر عَلَى الْبُعْد الْجَمَالِي الْعَمَلِي وَحْدَه
بَل تَتَعَدَّاهَا نَحْو الْسَّعْي الْفِكْرِي لِتَّأْسِيْس إِشْكَالِيَّة فَلْسَفِيَّة حَوْل دَوْر الّفّنّان
فِي مُجْتَمَعِه.
يَقُوْل الْصِّلْحِي أَن أَوَّل مُعَرَّض أَقَامَه فِي الْخُرْطُوْم بَعْد عَوْدَتِه مِن الِسلِيد
سَكَوْل أُوْف آَرْت لَم يَجْذُب الْجُمْهُوْر السَّوْدَانِي لِأَن الْأَعْمَال الْمَعْرُوْضَة لَم
تَكُن تُعَبِّر عَن الْمَوْرُوْث الْتَشْكِيلِي لِلسُّوَدَانِيِّين. وَقَد أَلْهَمَه هَذَا الْوَاقِع
الْبَحْث عَن الْمُكَوَّنَات الْسُودَانِيَّة فِي تَجْرِبَة الْسُّوْدَانِيِّيْن الْتَّشْكِيْلِيَّة
وَذَلِك بِغَرَض اسْتِخْدَامُهَا لِتَّأْسِيْس أُسْلُوْب تَشْكِيْلِي سُوْدَانِي وَمُعَاصِر
فِي آَن.
وَفِي هَذَا الْمَشْهَد، سَعَى الْصِّلْحِي مِن خِلَال بَحَثَه لِتَعْرِيْف نَوْع مِن أَبْجَدِيَّة
بَصَرِيَّة تَعْكِس مُكَوَّنَات الْثَّقَافَة الْبَصَرِيَّة لِلسُّوَدَانِيِّين.
وَهَكَذَا انْطَبَعَت أَعْمَال الْصِّلْحِي مُنْذ عَوْدَتِه مِن بِرِيْطَانِيَّا بْمَوْتِيفَات تَسْتَلْهِم
الْبُعْد الْثَقَافِي الْعَرَبِي [فَن الْخَط] وَأُخْرَى تَسْتَلْهِم الْبُعْد الْثَّقَافِي الْأَفْرِيقِي
[زَخَارِف الْمَصْنُوْعَات الْشَّعْبِيَّة].
وَقَد تَبِع الْصِّلْحِي فِي مَسْعَاه نَفَر مِن أَبْنَاء جِيْلِه حَتَّى شَكَّلُوْا تَيَّارُا عَفْوِيّا
سَرَعَان مَا أَطْلَق عَلَيْه اسْم "مَدْرَسَة الْخُرْطُوْم". وَيُمْكِن فَهُم الْقَبُوْل
"الْرَّسْمِي" لِتَيَّار مَدْرَسَة الْخُرْطُوْم فِي كَوْن عَرَض الْصِّلْحِي لِتَّأْسِيْس
"فَن تَشْكِيْلِي سُوْدَانِي"، إِنَّمَا كَان يُلَبِّي ـ و بِشَكْل عَفْوِي فِي الْبِدَايَة ـ
طَلَبا سِيَاسِيا لِدَوْلَة الْطَّبَقَة الْوُسْطَى الْمَدْيَنِيَّة الَّتِي وَرِثَت مِن الْمُسْتَعْمِر
وَطَنِا مِن الْأَشْتَات الْعِرْقِيَّة وَالْثَّقَافِيَّة الَّتِي افْتُتِحَت عَهْد الاسْتِقْلال السِّيَاسِي
بِحَرْب أَهْلِيَّة فِي الْجَنُوْب.
وُجِدَت الْسُّلُطَات فِي عِرْض الْصِّلْحِي ـ وَمَن صَارُوْا شِرَكَاه لَاحِقَاـ نَوْعَا
مِن "مُحْتَوَى" ثَقَافِي سُوْدَانِي ـ و"سُّوَدَانَوي" لَاحِقَاـ مَنْفَعَتِه الْسِّيَاسِيَّة
لَا غِلَاط فِيْهَا عَلَى صَّعِيْد مَشْرُوْع بِنَاء الْوَحْدَة الْوَطَنِيَّة الَّتِي بِدُوْنِهَا يَسْتَحِيْل
بِنَاء الْتَّنْمِيَة الاجْتِمَاعِيَّة وَالاقْتِصَادِيَّة فِي الْسُّوْدَان.
و هَكَذَا تُحَوِّل الْصِّلْحِي مَع بِدَايَة الْسَّبْعِيْنَات ـ وَهِي الْفَتْرَة الَّتِي تَثَبَّتَت فِيْهَا
صَوَّرْتُه كَفَنَّان أَفْرِيْقِي مُعَاصِر ذِي وَزْن عَالَمِي ـ إِلَى نَوْع مِن أَيْقُوْنَة وَطَنِيَّة
حَتَّى أَن صُوَرَتَه كَانَت تُزَيِّن بَعْض مُلْصَقَات وَزَارَة السِّيَاحَة بِوَصْفِه فَنَّان
الْسُّوْدَان الْقَوْمِي.
وَلَا شَك إِن الْثِّقْل الْإِعْلامِي لِلْرَّجُل سَوَّغ لِلْسُّلْطَات اسْتِخْدَامِه فِي الْمَشْرُوْع
السِّيَاسِي لِدَوْلَة الْطَّبَقَة الْوُسْطَى الْمَدْيَنِيَّة فَعَينَتِه دَوْلَة جَعْفَر الْنُّمَيْرِي فِي
أَرْفَع الْمَنَاصِب الْثَّقَافِيّة الْتَّنْفِيْذِيَّة كَوَكِيل لِوَزَارَة الْثَّقَافَة.
وَلَم يَسْتَنْكِف الْصِّلْحِي ـ بِحِسِّه الْوَطَنِي الْعَالِي ـ عَن تَكْرِيْس كُل طَاقَاتِه
لِخَلْق سِيَاسَة ثَقَافِيَّة جَادَّة كَانَت هِي الْأُوْلَى مِن نَوْعِهَا فِي مُعْظَم بُلْدَان
أَفْرِيْقْيَا وَالْشَّرْق الْأَوْسَط. وَرَغْم أَن مُلَابِسَات الْصِّرَاع السِّيَاسِي فِي الْسُّوْدَان
أَدَّت بِالصْلْحي إِلَى الْسِّجْن فِي مُنْتَصَف الْسَبْعِينِيَّات، إِلَا أَن تَجْرِبَتِه الْرَّائِدَة
فِي مَجَال الْتَّأْسِيْس وَالتَّنْظِيْم لُبْنَى الْعَمَل الْثَّقَافِي فِي الْسُّوْدَان مَازَالَت
تَسْتَحِق الْدِّرَاسَة الْمُتَأَنِّيَّة لِاسْتِخْلَاص الْعِبَر وَالْدُّرُوس الَّتِي تَقْتَضِيْهَا مَسَاعِي
الْتَّنْمِيَة الْمُسْتَدِيمَة فِي بَلَد كَالسُّودَان.
عَرَض صُلْحِي أَعْمَالِه مُنْذ مَطْلَع الْسِتِّينِيَات فِي كُل أَنْحَاء الْعَالَم فِي الْعَدِيْد
مِن الْمَعَارِض الْفَرْدِيَّة وَالْجَمَاعِيَّة. وَمِن بَيْن الْمَتَاحِف الَّتِي تَقْتَنِي أَعْمَالِه
نَجْد مَتْحَف الْفَن الْحَدْيِث بِنْيُويُورْك وَمُتْحِف الَمِيَتُّرُوبِوِلِيَتَان بِنْيُويُورْك وَغَالِيْري
الْشِّيَز مَانْهاتِن بِنْيُويُورْك وَمَتْحَف الْفَن الْأَفْرِيقِي بِوَاشِنْطن وَمَكْتَبَة الْكُونْغِرْس
وَالنَاشَوَنَال غَالِيْري أُوْف فِيْكْتُوُرْيَا بْسِيدْنِي وَغَالِيْري لامُبِيّر بِبَارِيْس وَالنَاشِيُّوَنَال
غَالِيْري فِي بِرْلِين وَمَصْلَحَة الْثَّقَافَة بِالْخُرْطُوْم.
روابط لزيادة الاطلاع:
1.اضغط هنا
2.اضغط هنا
3.اضغط هنا
4.اضغط هنا
5.اضغط هنا

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

حسين يوسف الهندي




هُو الْشَّرِيف الْحُسَيْن ابْن الْعَارِف بِالْلَّه الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي بْن قُطْب الْقُرْآَن الْشَّرِيف مُحَمَّد الْأَمِيْن "وَد الْهِنْدِي" يَنْتَمِي نَسَبِهِم إِلَى الْرَّسُوْل الْكَرِيم ( ). وُلِد فِي حَي بَرِّي الْشَرَيْف مِن قَرْيَة بَرِّي اللامِاب عَام 1924م.. نَّشَأ وَتَرَعْرَع بِهَا فِي بَيْت عَادِي مِن بُيُوْت الْطِّيْن ، كَكُل الْمَسَاكِن الَّتِي نَشَأ فِيْهَا إِخْوَانَه.. (وَلَم يَكُن يُمَيِّز بَيْت وَالِدِه الْشَّرِيف يُوَسُف عَن بُيُوْت غَيْرِه إِلّا " سَرَايَاه " ، وَهِي دَوَاوِيْن ضِيَافَة وَلَيْسَت لِسُكْنَى أَسَرَه الْخَاصَّة).. وَمِن ثَم عَاش طُفُوْلَتِه وَصِبَاه وَشَبَابُه كَمَا يَعِيْش إِخْوَانَه وَالْعَادِيُّون مِن الْنَّاس؛ كَمَا زُمَلَاؤُهُم فِي الْخَلْوَة بِلَا تَمْيِّيز فِي الْعَيْش او الْمَلْبَس.. بِرَغْم أَن وَالِدُهُم كَان مِن زُعَمَاء الْسُّوْدَان الْدِّيْنِيِّيْن الْثَّلاثَة الْكِبَار؛ وَكَان ذَا سِعَة وَيَسِّر..
بَدَأ الْحُسَيْن دِرَاسَتُه فِي خَلْوَة أَبِيْه بِبِرِّي وَعِنْدَمَا أَتَم حِفْظ الْقُرْآن فِي الْعَاشِرَة مِن عُمْرِه أَخَذَه جَدِّه لِأُمِّه مُحَمَّد أَحْمَد خَيْر الْمَعْرُوْف ب "وَد خَيْر"، وَأَلْحِقْه بِالْمَدْرَسَة الْأَوَّلِيَّة بِمَدِيْنَة سَنْجَة، ثُم سَاقَه خَالِه أَحْمَد خَيْر الْمُحَامِي إِلَى الْمَدْرَسَة الْأَوَّلِيَّة بِوُد مَدَنِي. وَبَعْدَه تَم قَبُوْلِه بِمَدْرَسَة وَدْمِدْنِي الْأَمِيْرِيَّة الْوُسْطَى عَام 1935م؛ ثُم تُدَّرَج بِقَفَزَات كَبِيْرَة مَرْحَلَة بَعْد مَرْحَلَة حَتَّى الْصَّف الْرَّابِع؛.. كَثِيْرَا مَا فَات فِيْهَا اقِرَانَه وَزُمَلاء دِرَاسَتُه، مُتَعَدِّيَا الْكُل بِسَنَة كَامِلَة. وَقَبْل أَن يُكْمِل عَامِه الْدِّرَاسِي سَافَر لِتَلَقِّي دِرَاسَتُه الْثَّانَوِيَّة بِكُلِّيَّة فِيْكْتُوُرْيَا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّة. وَعِنْدَمَا رَجَع إِلَى الْسُّوْدَان فِي الْإِجَازَة الْمَدْرَسِيَّة؛ وَرَآَه أَبُوْه مَزْهُوّا بِزِيِّه الْإِفْرِنْجِي أَرَاد مَنَعَه مِن الْعَوَدَّة إِلَى مِصْر، فَتَدَخَّل خَالِه أَحْمَد خَيْر وَالْإِمَام عَبْدِالْرَّحْمَن الْمَهْدِي (صَدِيْق الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي الْمُقَرَّب.. وَكَانَا يَتَبَادَلَا الْهَدَايَا) وَالَّذِي طَلَب مِنْه أَن يَسْمَح لَه بِمُعَامَلَة الْحُسَيْن كَأَحَد أَبْنَائِه وَأَن تَكُوْن نَفَقَات دِرَاسَتُه عَلَيْه، فَأَقْنَعَا الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي، الَّذِي قَال عِنْد ذَلِك قَوْل الْرَّسُوْل (ص): "فَلْيَفْعَلُوْا مَا أَرَادُوْا.. فَإِنَّهُم أَهْل بَدْر".
وَكَان الْشَّرِيِف حُسَيْن أَقْرَب إِلَى نَفَس الْإِمَام عَبْدِالْرَّحْمَن الْمَهْدِي مِن أَغْلَب أَبْنَائِه.. مِمَّا جَاء عَلَى لِسَان او قَلْم الْحُسَيْن فِي مُذَكَّرَاتِه بِعُنْوَان: "لْوَطَنِي وَلِلِتَّارِيْخ". فَوَاصِل الْشَّرِيف تَعْلِيْمِه بِكُلِّيَّة فِيْكْتُوُرْيَا بِمِصْر وَكَانَت قَد تَوَثَّقْت عَلَاقَة أَخَوِيَّة قَوِّيَّة رَبَطْتَه بِالْإِمَام الْهَادِي الْمَهْدِي الَّذِي سَبَقَه إِلَيْهَا بِعِدَّة سَنَوَات. وَشَاء الْلَّه أَن تَقُوْم الْحَرْب الْعَالَمِيَّة الْثَّانِيَّة وَهُو هُنَاك فِي مِصْر؛ فَعَاد إِلَى الْسُّوْدَان لِيَتِم دِرَاسَتُه بِكُلِّيَّة غْرَدُون (جَامِعَة الْخُرْطُوْم فِيْمَا بَعْد).
كُلِّيَّة فِيْكْتُوُرْيَا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّة – الْتَّابِعَة لِجَامِعَة أُكْسُفُورْد بِانْجِلِتْرا
صُوْرَة أُلْتُقِطَت 1950م
وَمُنْذ صِبَاه الْبَاكِر.. كَانَت لِلْشَّرِيف الْحُسَيْن أَخْلَاق إِنْسَانِيَّة اكْثَر مِن رَائِعَة وَحْمِيْدّة وَصِفَات شَخْصِيَّة جَمِيْلَة رَاقِيَّة عَلَى عِفَّة مِن الْقَلْب وَالْيَد وَالْلِّسَان اقِل مَا تُوْصَف بِه أَنَّهَا غَيْر عَادِيَّة؛ إِن لَم تَكُن فَرِيْدَة فِي ذَلِك، قُل لَهَا الْنَّظِيْر.
إِقْرَأ الْمَزِيْد عَن مَرَاحِل تِعْلِيْمِه وَنَشَاط صِبَاه.
أَعْمَالِه الْخَاصَّة.. تِجَارِيَّة وَمَشَارِيْع زِرَاعِيَّة
فَكَّر الْشَرَيْف حُسَيْن فِي بِدَايَة شُغْلِه فِي الْعَمَل الْتِّجَارِي؛ بِتِكِوين شَرِكَة لِمَا وَرَاء الْبِحَار؛ وَشَارَكَه فِيْهَا آَخَرُون.. لَكِنَّه مَا لَبِث أَن انْسَحِب مِنْهَا؛ وَتَفَرَّغ لِلْعَمَل الْزِّرَاعِي.. الَّذِي بَدَأَه بِجْنَيْنِة (مَزْرَعَة) وَاسِعَة وَرِثَهَا مَع اثْنَيْن مِن اشِقَائِه؛ عَن ابِيْهِم.. (شَمَال غَرْب سُوْق حُلَّة كَوْكَو شَرْق الْنِّيْل الْأَزْرَق مُقَابَلَة لِحَدِيْقَة وَالِدُهُم غَرْب الْنَّيْل بِبِرِّي- يَقْطُن بِهَا الْآَن شَقِيْقِه زُيِّن الْعَابِدِيْن الْهِنْدِي). وَكَان يَزْرَع أَيْضا فِي جَنائَنْهُم بسُوْبا شَرْق؛ ثُم أَقَام مَشْرُوْعا لِلْقَطَن (فِي قَرْيَة "أَم أَرَضَة" بِالْنِّيْل الْأَبْيَض)؛ وَآَخِر بِالْتُمَانِّيَات (قَرْيَة بِالْقُرْب مِن قَرْيَة الْكِبَاشِي شَمَال الْخُرْطُوْم).. كَمَا لَهُم حَوَاشَات (حُقُوْل زِرَاعِيَّة) فِي الْجَزِيْرَة، تَرَكَهَا عِنَدَمّا اصْطَدَم بِمَسْؤُولِيْن إِنْجِليز فِي إِدَارَة مَشْرُوْع الْجَزِيرِة الْزِّرَاعِي.. وَالْتَفَّت لِلْزِّرَاعَة الْمَطَرِيَّة الْآَلِيَّة بِمَدِيْنَة الْقُضَارِف شَرْقِي الْسُّوْدَان.
اهْتِمَامَاتِه الْشَّخْصِيَّة.. أَدَبِيَّة وَسِيَاسَة وصَحْفِيّة
عِنْد بِدَايَة سَفَرِه لِلْخَارِج أَقَام الْشَّرِيف بِفُنْدُق الَكَوّنَتِنْتَال فِي مِصْر، وَكَانَت اهْتِمَامَاتِه الْأَدَبِيْة يَوْمَهَا طَاغِيَة عَلَى الْسِّيَاسِيَّة؛ يَقْرَأ كَثِيْرا، وَعُرِف بِسُرْعَة الْقِرَاءَة. وَوَطَّد عَلَاقَتَه مَع كِبَار الْأُدَبَاء الْمِصْرِيِّيْن؛ يَحْضُر نَدْوَة الْعَقَّاد بِانْتِظَام؛ وَمَجَالِس طَه حُسَيْن وَحَدِيْث الْأَرْبِعَاء.
الْأُسْتَاذ مَحْمُوْد عَبَّاس الْعَقَّاد
الدُّكْتُوْر طَه حُسَيْن
وَتَزَامَن وَجُوْدُه فِي الْقَاهِرَة مَع وَفْد الْسُّوْدَان لِلِمُفَاوْضَات الْسِّيَاسِيَّة: الْسُودَانِيَّة-الْمِصْرِيَّة فِي نِصْف الْأَرْبَعِيْنَات مِن الْقَرْن الْمُنْصَرِم.. بِرِئَاسَة الْسَّيِّد إِسْمَاعِيْل الْأَزْهَرِي؛ وَسَاهِم فِي نَفَقَات وَفْد الْسُّوْدَان.. وَكَان الْحُسَيْن كَفِّيْلَا ضَامِنا وَوَلِي أَمَر "شَرَفَي" يَقُوْم ايْضا بِالْنَّفَقَات لِثَلَاثَة طَلِبَة بِكُلِّيَّة فِيْكْتُوُرْيَا فِي مِصْر وَأَهِّلْهُم بِوُد مَدَنِي بِالْسُّوْدَان.
نَشَاطَه السِّيَاسِي وَعَمَلِه الصُّحُفِي بَعْد عَوْدَتِه مِن مِصْر
فِي الْسُّوْدَان رَفَع الْشَّرِيف مُنْذ وَقْت بَاكِر شِعَارُه الْفَاصِل أَلَا سِيَاسَة مَع القَدَاسَة، وَكَان مِن رَأْيِه أَن الْطَّائِفِيَّة يَنْبَغِي أَن تَبْتَعِد عَن الْعَمَل السِّيَاسِي - وَعَلَى قَادَتِهَا.. أَلَا يتَدَثَرُوا بِالْقَدَاسَة إِذَا أَرَادُوْا أَن يَخُوْضُوْا مَع الْآَخَرِيْن غِمَار الْسِيَاسَة؛ لِذَا فَوْر انْفِصَال طَائِفَة الْخِتْمِيَّة عَن الإتِّحادِيِّين، وَتَكْوِيْنِهَا لِحِزْب الْشَّعْب الْدِّيْمُقْرَاطِي ، بَادِر الْحُسَيْن بِالإِنْضمُام لِلْحِزْب الْوَطَنِي الِاتِّحَادِي.. وَكَتَب عَن الْطَّائِفِيَّة فِى جَرِيْدَة "الْعَلَم" (الَّتِي كَان مِن أُمَيِّز مُحَرِّرَيْها) مَقَالا بِعُنْوَان: "لَا قَدْاسة مَع الْسِيَاسَة".. كَمَا كَان يَكْتُب فِى جَرِيْدَة " الْنِّدَاء".
وَمَن خَبَطاتِه الْصُحُفِيَّة أَنَّه أَخْرَج عَدَدَا خَاصَّا مِن جَرِيْدَة "الْعِلْم" عَن الْفَسَاد الَّذِى حَدَث بِوَزَارَة الرَّي فِى أَمْتِدَاد الْمَنَاقِل. وَقَد أُحْدِث هَذَا الْعَدَد رُدُوْد فِعْل عَنِيْفَة فِى كَثِيْر مِن الْأَوْسَاط.. وَفِي 19 مَايُو 1958م كَتَب مَقَالا بِعُنْوَان: "دَوْلَة الْإِقْطَاع" نَشْرُه بِجَرِيْدَة "الْعِلْم" ايْضا، جَاء فِيْه:
"الْمُشْكِلَة هِى مُشْكِلَة مُلَاك الْأَرَاضِي مِن الْمُزَارِعِيْن، الَّذِيْن يَجِدُوْن مَلكِيَّاتِهُم الْصَّغِيْرَة
وَقَد أُغْرَقَهَا طُوَفَان مَشْرُوْع إِقْطَاعِي كَبِيْر، إِبْتُلِع فِى جَوْفِه عَشَرَات الْآَلَاف مِن الأَفْدَنّة،
تَمْلِكُهَا عَشَرَات الْآَلَاف مِن الْأَسْر الْفَقِيْرَة ".
كَمَا أَنَّه عِنْدَمَا أَصْبَح نَائِبا – فِيْمَا بَعْد - كُتِب سِلْسِلَة مَقَالَات بِعُنْوَان: "خَوْاطِر نَائِب". وَحِيْنَمَا أَخَذ سَلَفِيَّة مِن الْبَنْك مِقْدَارُهَا ثَلَاثِيْن أَلْف جُنَيْه.. وَسَافِر لْمَدِينَة الْحَوْش بِمِنْطَقَة الْجَزِيرَة، هَاجَمَتْه صُحُف الْحُكُومَة، وَكُتِبَت صَحِيْفَة "الْأُمَّة" مَقَالا بِعُنْوَان: "الْشَّرِيف الْهَارِب"، زَعَمْت فِيْه أَنَّه هَرَب بِسَلَفِيَّة الْبَنْك؛ وَقَرَأ الْمَقَال ثُم كَتَب بِجَرِيْدَة "الْعِلْم" يَوْم 11 مَايُو 1958م رَدُّه الْشَّهِيْر الْلَّاذِع بِعُنْوَان "عَوْدَة الْهَارِب".
إِنْضِمَامِه لِلْحِزْب الْوَطَنِي الِاتِّحَادِي (الدِّيَمِوَقْرَاطِي فِيْمَا بَعْد) وَأَعْمَالُه
وَانْضَم الْشَّرِيف إِلَى الْحِزْب الْوَطَنِي الِاتِّحَادِي وَكَان يَتَمَتَّع بِذَاكِرَة قَوِّيَّة، يَحْفَظ أَسْمَاء الْنَّاس بِسُرْعَة، وَيَتَذَكَّر كُل مَن يَلْتَقِيْه، مُهِمَّا كَانَت فَتْرَة الْلِّقَاء قَصِيْرَة؛ مِمَّا سَاعِدُه عَلَى مَعْرِفَة لِجَان الْحِزْب وَجَمَاهِيْرِه؛ وَقَد كَسَر الْحَوَاجِز بَيْنَه وَبَيْنَهُم؛ وَلِذَا قَفَز لِلْمُقَدِّمَة بِسُرْعَة؛ وَتَقَدَّم مِن سَبَقُوْه فِي الْحِزْب. وَقَبْل دَمْج الْحِزْبَيْن (حِزْبَه الْوَطَنِي الِاتِّحَادِي وَحِزْب الْشَّعْب الْدِّيْمُقْرَاطِي) كَان يُصِّر عَلَى أَن يَتِم الدَّمْج عَلَى أُسُس وَاضِحَة؛ مُسْتَفِيْدِيْن مِن تَجَارِب الْمَاضِي، لِتَفَادِي أَخْطَاء الْإِنْقِسَام مُرَّة أُخْرَى. و لَعِب دَوْرَا كَبِيْرَا فِي تَوْحِيْد الْحِزْب وَتَم الْإِتِّفَاق عَلَى أَن يَكُوْن الْسَّيِّد إِسْمَاعِيْل الْأَزْهَرِي رَئِيْسَا لِلْحِزْب، وَالْشَّيْخ عَلَي عَبْد الْرَّحْمَن نَائِبا لَه.. بَيْنَمَا كَان الْبَعْض يُرَشِّحُون الْشَّرِيف لِخِلَافَة الْأَزْهَرِي مُسْتَقْبَلَا وَفِيْمَا بَعْد.. قُدِّم الْشَّرِيف تَصَوَّرا عَمَلِيّا لِلْدَّوْر الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُؤَدُّوه فِى الْسَّاحَة السِّيَاسِيِّة، عَبْر حِزْب مَفْتُوْح لِكَافَّة الْمُوَاطِنِيْن.. وَعِنْدَمَا أَزِف مَوْعِد الانْتِخَابَات، أَعْلَن عَن تَرْشِيح نَفْسَه فِى دَائِرَة الْحَوْش وَفْق رَغْبَة جَمَاهِيْرَهَا، وَبَعْد الْإِقْتِرَاع فَاز بِأَكْثَر مِن ضَعْف أَصْوَات مُنَافَسَه..
الْإِنْتِخَابَات وَدُخُوْلُه الْبَرْلَمَان
فِي عَام 1957م تُرَشِّح الْشَّرِيف فِى دَائِرَة (الْحَوْش) عَن حِزْبِه وَفَاز ثُم أَصْبَح عُضْوا بِالبَرْلِّمَان السَّوْدَانِي الْثَّانِي ، الَّذِي سَرَّحَه الْحُكْم الْعَسْكَرِي الْأَوَّل فِي 17 نُوُفَمْبَر عَام 1958م ، وَرَغْم قِصَر الْمُدَّة ، فَقَد تَكَشَّفَت مـلَكاتِه الْأَدَبِيْة وَالشَاعريّة ، فَبَرَز خَطِيْبا سَاحِرا مُفُوه ، وَمُتَحَدِّثا فَذّا قَادِرا عَلَى امْتِلَاك مَشَاعِر سَامِعِيْه.
فِى انْتِخَابَات عَام 1958م أَعَاد تَرْشِيْح نَفْسَه فِى دَائِرَة الْحَوْش ايْضا عَن الْحِزْب الْوَطَنِي الإتِّحَادِي وَاتَّجَه لِدَارْفُوْر الَّتِى كَان مُشْرِفَا عَلَى الْإِنْتِخَابَات فِيْهَا مُمَثِّلَا لِحِزْبِه، وَجَّاب أَنْحَاء مُدِيْرِيَّة دَارْفُوْر الْمُخْتَلِفَة، وَوَاصَل نَشَاطَه بِهِمَّة عَالِيَة وَحَمَاس.. وَتَأَثَّر جَدَّا بِمَا وَقَف عَلَيْه مِن نُدْرَة الْمِيَاه وَا;نْعِدَام الْخِدْمَات الاجْتِمَاعِيَّة هُنَاك، مِمَّا دَعَاه - وبِتَحَسر شَدِيْد - لِإِثَارَة قَضِيَّة فِي الْبَرْلَمَان بِشَأْنِهَا.. الْأَمْر الَّذِي اثَلُج صُدُوْر اهْل دَارْفُوْر فَأَحِبُّوْه وَحَفَّظَوَه لَه فِيْمَا بَعْد.
اثْنَاء عُضْوِيَّتِه الْبَرْلَمَانِيَة، كَلَّفَتْه كُتَلَة الْمُعَارَضَة بِالْرَّد عَلَى خِطَاب الْمِيزَانِيَّة الَّذِي أَلْقَاه الْسَّيِّد وَزِيَر الْمَالِيَّة.. عِنْدَهَا أَلْقَى يَوْم 3 يُوْنْيُو 1958م، خِطَابا ضَافِيا فِى الْبَرْلَمَان إِنْتَقَد فِيْه الْمِيزَانِيَّة نَقْد خَبِيْر، حَتَّى أَشَاد بِه الْمَحْجُوْب وَزِيَر الْخَارِجِيَّة يَوْمَهَا، وَنَال اسْتِحْسَان قِطَاعَات وَاسِعَة مِن الْمُجَتَمَع.. وَكَان ذَلِك قَبْل انْقِلَاب الْفَرِيْق عَبُّوْد بِخَمْسَة شُهُور وَنِصْف.
مَوْقِفَه مِن نِظَام عَبُّوْد (نُوُفَمْبَر 1958م إِلَى 1964م)
إِنْطَوَى الْعَهْد الْحِزْبِي بِقِيَام إِّنْقِلَاب الْفَرِيْق إِبْرَاهِيْم عَبُّوْد فِي17 نُوُفَمْبَر 1958م، وَعِنْدَه أُعْلِن الإتِّحَادِيُّون - بِقِيَادَة الْرَّئِيْس الْأَزْهَرِي - مُعَارَضَتِهِم لِهَذَا الْنِّظَام، وَتَشَكَّلَت خَلِيَّة لِلْعَمَل عَلَى مُنَاهِضَة الْحُكْم الْعَسْكَرِي، تَتَكَوَّن مِن الْشَّرِيف الْحُسَيْن وَآَخَرِين.. وَذَات يَوْم قَال لَهُم: "مِن الْمُسْتَحْسَن أَن تَتَرَيثُوا قَلِيْلا، لِأَن الْحُكْم الْعَسْكَرِي رَفْع شِعَارَات مُعَيَّنَة، خَاطَب بِهَا عَوَاطِف الْجَمَاهِيْر الَّتِى مَلّت صِرَاعَات الْأَحْزَاب ومُمَارَسَاتِهَا، وَإِنَّكُم لَن تَجِدُوْا إِسْتِجَابَة أَوَآذَانَا صَاغِيَة فِى ظِل تِلْك الْظُّرُوْف، حَتَّى يَثْبُت لِلْنَّاس - عَمَلِيّا - سُوَء الْحُكْم الْعَسْكَرِي، وَمِن ثَم يَبْدَأ غَضَبِهِم وَتَذَمُّرُهُم، وَحِيْنَهَا.. يُمْكِن أَن تَبْدَأ الْمُنَاهِضَة الْحَقِيقِيَّة، الَّتِي تَجِد اسْتِجَابَة وَتَجَاوُبَا فِى الْشَّارِع"..
وَهْنَا كَان عَلَى الْشَّرِيف أَن يُفْاضَل بَيْن خِيَارَيْن.. إِمَّا أَن يَلْتَزِم حِزْبِيّا وَيُعَارِض - وَفْق قَرَار الْقِيَادَة - بِعَدَم تَأْيِيْد الْحُكْم الْعَسْكَرِي، وَقَد يَتَطَلَّب مِنْه ذَلِك مُصَادَمَة الْنِّظَام فِى الْدَاخِل، وَيُوَقِّع ذَلِك نَفْسُو و/أَو خَالِه الْأَسْتَاذ أَحْمَد خَيْر الْمُحَامِي - الَّذِي يُعَامِلُه كَوَالِدِه - فِى حَرَج.. وَإِمَّا أَن يُعْلِن تَأْيِيدَه لِلْحُكْم الْعَسْكَرِي، وَيَخْتَلِف بِالْتَّالِي مَع حِزْبَه وَقِيَادَتُه.
عَلَيْه آَثَر أَن يَقْضِي فَتْرَة الْحُكْم الْعَسْكَرِي بِمِصْر. وَأَضْحَى فِى مِصْر قِبْلَة لِكَثِيْر مِّن الْسُّوْدَانِيِّيْن الْضُّيُوْف مِن أَهْلِه وَأَرْحَامِه وَأَصْدِقَائِه وَغَيْرِهِم مِن طَالِبِي الْمُسَاعَدَة.. يَأْخُذ الْمَال بِيَمِيْنِه وَيُوَزِّعُه بِيُسْرَاه مُنْفِقا لَه عَلَى الْغَيْر؛ إِنْفَاق مَن لَا يَخْشَى الْفَقْر، وَيُذْكَر أَنَّه قَال يَوْما لَوَاحِد مِن أَصْحَابِه الْمُنْتَقِدِين لَه حِيْن وَصَف إِنْفَاقِه ذَاك بِالْتَّبْذِيْر: "نَحْن قَوْم لَسْنَا لِلْمَال بِمَخَازِن.. وَلَكِنَّا مَحَطّات".
الْشَّرِيف الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَة يَتَوَسَّط أَرْحَامِه (عَلَى يَمِيْنِه الْحَاج حَمْد أَبُو زَيْد، وَعَلَى يَسَارِه
الْحَاج مُحَمَّد فَضْل الْلَّه وَالْجَالِس أَمَامَه الْعُمْدَة حَسَب الْرَّسُوْل الْشَّيْخ الْطَيِّب بَدْر
وَعَلَى يُمَنِّيْهِم الْحَاج الْفَاضِل أَحْمَد الْفَاضِل وَالْبَقِيَّة مِن زُوَّارِه وَضُيُوْفُه)
مَوْقِفَه مِن القَوْمِيَّة الْعَرَبِيَّة وَحَرَكَات الْتَحَرُّر
عَلَاقَاتِه بِالْرَئِيس عَبْد الْنَاصِر.. وَبِالْخَارِج
أَثْنَاء وُجُوْدِه بِمِصْر تَكَوَّنَت بَيْنَه وَبَيْن الْرَّئِيْس عَبْد الْنَّاصِر (رَحِمَهُمَا الْلَّه) عَلَاقَة قَوِّيَّة، تَمَيَّزَت هَذِه الْعَلَاقَة بِالْصَّدَاقَة الْشَّخْصِيَّة وَبِالْأُخُوَّة الْمُؤْمِنَة بِالْقَوْمِيَّة الْعَرَبِيَّة؛ وَبِالثِّقة الْمُتَبَادَلَة وَالْمَبَادِئ الْمُشْتَرَكَة، فِي خِدْمَة قَضَايَا تَحْرِيْر الْشُّعُوْب الْعَرَبِيَّة وَالأَفَرِيقِيّة – عَلَى وَجْه الْخُصُوْص- مِن الِاسْتِعْمَار وَأَعْوَانِه.. الْحُكَّام الْعُمَلَاء. إِقْرَأ قَصَصِه مَع جَمَال عَبْدُالْنَّاصِر.. وَالَّتِي مِنْهَا قِصَّة مُحَاوَلَتُه لِإِنْقَاذ لُوَمَامْبا.
قَضَى الْشَّرِيف فِي عَقْد الْسِتِّينَات فَتْرَة بِبَيْرُوت؛ وَالْتُّقَى هُنَاك بِكَثِيْر مِن الْلَّاجِئِين الْسِيَاسِيِّيْن (مِن كِبَار شُيُوْخ "الْمُحْمِيَات" الْمُسْتَعْمَرَة - Protectorate Colonies - آَنَذَاك فِي الْخَلِيْج الْعَرَبِي وَغَيْرُه).. الَّذِيْن هَاجَرُوا مِن بِلَادِهِم وَلَجَأُوا إِلَى بَيْرُوْت سِيَاسِيا، وَكَان يُسَاعِدُهُم - مَادِيَّا – وَمِنْهُم مَن رَد لَه الْجَمِيْل؛ وَحَافِظُوْا عَلَى الْوُد مَعَه إِلَى ان رَحَل الَى جَوَار رَبِّه الْرَّحِيْم. كَمَا سَاهَم مَع الْرَّئِيْس عَبْد الْنَاصِر مُسَاهَمَة فَعَّالَة فِي مُسَانَدَة وَدَعَم عَدَد كَبِيْر مِن الْمُنْتَمِيْن لِحَرَكَات الْتَحَرُّر الْوَطَنِي مِن نِيْر الْاسْتِعْمَار، خَاصَّة ثَوْرَة الْمَلْيُوْن شَهِيْد الثَّوْرَة الْجَزَائِرِيَّة، حَتَّى تَخَلَّصَت مِن الاسْتِعْمَار الْفَرَنْسِي الْبَغِيض.
وَظِل فِي سَاحَة الْنِّضَال لِإِعَادَة الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة لِبِلَادِه ، حَتَّى قِيَام ثَوْرَة أُكْتُوْبَر الْشَّعْبِيَّة، الَّتِي أَطَاحَت بِالْحُكْم الْعَسْكَرِي الْأَوَّل (نِظَام الْفَرِيْق إِبْرَاهِيْم عَبُّوْد) عَام 1964م. . ثُم تَبَوَّأ لِلْمِرَّة الْأُوْلَى وَزَارَة الرَّي ، ثُم بَعْدَهَا تَوَلَّى وِزَارَة الْمَالِيَّة فَالحُكُومَات الْمَحَلِّيَّة ، وَمُرَّة أُخْرَى وِزَارَة الْمَالِيَّة.
دَوْرَه الْمِحْوَرِي فِي مُؤْتَمَر لَاءَات الْخُرْطُوْم أَوَّل سَبْتَمْبَر 1967م
سَاهَم الْشَّرِيف الْحُسَيْن بِدَوْر إِسْتِرَاتِيجِي فِي قِيَام مُؤْتَمَر الْخُرْطُوْم الْمَشْهُوْر - ذِي الَّلاءَات الثَّلَاث "لَا صُلْح، لَا تَفَاوُض، لَا اعْتِرَاف".. فِي قَضِيَّة فِلَسْطِيْن– وَكَان لِّمَا قَام بِه الْأَثَر الْكَبِيْر فِي نَجَاح الْمُؤْتَمَر.. إِذ قَام بِدَوْر رَئِيْس وَفُعَّال فِي الْصُّلْح بَيْن الْرَّئِيْس عَبْد الْنَّاصِر و الْمَلِك فَيَصِل بْن عَبْد الْعَزِيْز؛ الَّذِي لَوْلَاه رُبَّمَا لَم يُكْتَب الْنَّجَاح لِلْمُؤْتَمَر. رَاجِع الْحَلْقَة الْثَانِيَة عَن هَذَا الْمُؤْتَمَر بِقَلَمِه فِي كِتَاب مُذَكِّرَاتِه بِعُنْوَان: "لْوَطَنِي وَلِلِتَّارِيْخ"؛ الَّذِي اعَدَدْنَاه الْآَن لِلْطِّبَاعَة وَالْنَّشْر.
كَمَا سَعَى بَعْد ذَلِك مَع جَمَال عَبْد الْنَاصِر لِتَعْيِيْن مُحَمَّد أَحْمَد الْمَحْجُوْب (رَئِيْس وُزَرَاء الْسُّوْدَان فِي الْنِّصْف الْثَّانِي مِن سِتِّيْنَات الْقَرْن الْمَاضِي) أَمِيْنَا لِلْجَامِعَة الْعَرَبِيَّة، وَلَكِن الْصَّادِق الْمَهَدِي حَال دُوْن ذَلِك. إِقْرَأ قِصَّة الْمَسْعَى.
مُؤْتَمَر الْخُرْطُوْم الْمَشْهُوْر - ذِي الَّلاءَات الثَّلَاث عَام1967م
الْسِيَاسَة الْمَالِيَّة وَالاقْتِصَادِيَّة لِلْشَّرِيف
كَان الْشَّرِيف يُؤْمِن بِالْخِدْمَة الْعَامَّة وَبِالْعَمَل الْمَيْدَانِي فِيْهَا وَالَّذِي يَقْتَضِي الإلْتِصَاق الْمُبَاشِر بِالْجَمَاهِيْر.. وَمُنْذ عَام 1967م كَان يُسَيِّر وِزَارَة الْمَالِيَّة بِطَرِيْقَة مَكَّنَتْه مِن جُمَع كُل الْخُيُوط بَيْن يَدَيْه؛ وَلِمَعْرِفَة حَل الْمُعْضِلَات الْمَالِيَّة الَّتِي تُعَانِي مِنْهَا الْوِزَارَة؛ وَفُك الإختِنَاقَات الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا الْاقْتِصَاد السَّوْدَانِي.. وَفِي الْمُذَكِّرَات الَّتِي نَشَرَهَا رُوْبَرْت ماكِنِمَارّا (وَزَيْر الْدِّفَاع الْأَمْرِيْكِي الْأَسْبَق عَن فَتْرَة رِئَاسَتِه لِلْبَنَك الْدَّوْلِي عَام 1960م إِلَى عَام 1968م) شَهَادَة، عَبْر فِيْهَا رَئِيْس الْبَنْك الْدَّوْلِي عَن كَفَاءَة وَمَقْدِرَة الْشَّرِيف وَحُجَّتِه الْمَنْطِقِيَّة فِي الْحِوَار مَعَه قِي نَقْدِه لِسِيَاسَة الْبَنْك الْدَّوْلِي الْمَالِيَّة وَالْإِقْتِصَادِيَّة.. لِلْإِنْشَاء وَالتَّنْمِيَة اوَالتَعُمِيّر..وَذَلِك حِيْن قَال:
" خِلَال عَمَلِي لِمُدَّة ثَمَانِيَة سِنِيْن فِي الْبَنْك الْدَّوْلِي، لَم يَسْتَوْقِفُنِي مُحَافِظ مِن مُحَافِظّي
الْبَنْك (بِحُكْم مَنَاصِبِهِم كَوُزَرَاء لِلْمَالِيَّة) مِثْلَمَا اسْتَوْقَفَنِي وَأَدْهَشَنِي شَرِيْف الْسُّوْدَان "..
- قَاصِدا بِذَلِك الْشَرَيْف حُسَيْن وَنَقْدِه لسِيَاسَات الْبَنْك الْدَّوْلِي.. الْمَالِيَّة وَالاقْتِصَادِيَّة
الْشَرَيْف حُسَيْن الْهِنْدِي وَزِيَر الْمَالِيَّة (يَدَه عَلَى خَدَّيْه).. مَع ثَلَاثَة وُزَرَاء مِن حِزْبِه
وَهُم (بِالْزَّي الْإِفْرِنْجِي): نَصَر الْدِّيْن الْسَّيِّد، وَإِبْرَاهِيْم الْمُفْتِي، وَحَسُن عِوَض الْلَّه..
مَع وُزَرَاء مِن حِزْب الْأُمَّة فِي حُكُوْمَة الإِئْتِلاف
إِقْرَأ مَا كَتَبَه د. مُضَوِّي الْتُّرَابِي الْأَمِيْن الْعَام الْمُسَاعِد لِلتُخَطيّط الِاسْتِرَاتِيْجِي بِالحِزّب الِاتِّحَادِي الدِّيَمِوَقْرَاطِي - عَن الْسِيَاسَات الَّتِي تَبِعَهَا الْحِزْب فِي فَتَرَات الْدِّيِمُقْرَاطِيَّة الْسَّابِقَة عَلَى أَيْدِي شَبَاب الْحِزْب وَعَلَى رَأْسِهِم الْشَرَيْف حُسَيْن الْهِنْدِي وَقْتِهَا - فِي كِتَاب الْحَرَكَة الِاتِّحَادِيَّة، الصَادرعَن (الأَمَانَةِالْعَامَة) رَقِم 3 مِن وَثَائِق مُؤْتَمَرَات الْحِزْب بِالاسْكَنْدَرِيّة: الْأَوَّل (سَبْتَمْبَر 91 م) وَالْثَّانِي (دِيْسَمْبَر 92 ).. كِتَابِهَا بِعُنْوَان: " نَحْو أُفُق جَدِيْد لِلْعَمَل الْوَطَنِي.. (الْفِكْر .. الْتَّأْصِيل .. الْتَّنْظِيْم).
وَتَم كَذَلِك تَنْفِيْذ مَشْرُوْعَات التَّأْمِيْم فِي الْإِصْلَاح الْزِّرَاعِي الَّتِي رَفَعْت سَيْف الْسُّخْرَة الْمُسَلَّط عَلَى عُنُق الْمُزَارِع.
إِقْرَأ عَن إِنْجَازَاتِه عِنَدَمّا كَان وَزِيْرا فِي تِلْك الْفَتْرَة.
وَحَدَث انْقِلَاب 25 مَايُو 1969م .
لَيْلَة إِّنْقِلَاب مَايُو الْشُّيُوعِي بِقِيَادَة نَميري عَام1969م
فِي طَبِيْعَة الْشَّرِيف الْحُسَيْن.. أَنَّه لَا يَعْرِف لِخِدْمَتِه الْوَطَنِيَّة الْعَامَّة وَقْتا مُحَدَّدا او مُنْتَظِمَا.. لَا لَيْلَا وَلَا نَهَارا؛ فَهُو فِي الْعَمَل (شَخْصِيَّا) لَا يَكِل وَلَا يُمَل .. فَلَا يَقِف لْإِجَازَات وَلَا لعَطِلَات - رَسْمِيَّة كَانَت او مَوْسِمِيَّة – فَقَد كَان سَاهِرَا يَوْم انْقِلَاب الْنُّمَيْرِي؛ مَع نَائِب مُدِيْر الْبَنْك الْزِّرَاعِي مُصْطَفَى عِوَض الْلَّه (شَقِيْق مَوْلَانَا بَابَكّر عِوَض الْلَّه الَّذِي كَان رَئِيْسَا لِّلْوَزَارَة عِنْد مَطْلَع نِظَام نَميري الْشُّيُوعِي). وَالَّشُّيُوْعِيَّة تَقُوْل: "الْدِّيْن أَفْيُون الْشُّعُوْب"؛ وَمَن ثُم اهْمِل الْنُّمَيْرِي وَنِظَامُه الْبَاكِر ذِكْرَى مَوْلِد نَبِيِّنَا الْكَرِيْم مُحَمَّد بْن عَبْد الْلَّه "ص" .. لِيَحْتَفِل مَع الشُّيُوْعِيِّيْن – يَّوْمَذَاك - بِمِيْلاد الْرُّوْسِي الْكَافِر الْمُلْحِد.. نَبِي الْشُّيُوعِيَّة الْمَوْؤُدَة لِيَنْيَن. وَعُجْبا لسُّوَدَانِيِّين يَفْعَلُوْن ذَلِك!!
وَلَمَّا عَاد الْشَّرِيف فِي الْثَّالِثَة صَبَاحْا لِلْنَّوْم افَادَه شَاب لَم يَكُن يَعْرِفُه مِن قَبْل؛ إِسْمِه عَبَّاس مُحَمَّد أَحْمَد (الِفونْس).. شَاهِد دَبَّابَات الْإِنْقِلاب مُتَّجِهَة نَحْو إِذَاعَة أُم دُرْمَان؛ وَأَكَّد لِلْشَّرِيف أَن انْقِلَابَا عَسْكَرِيَّا بِقِيَادَة ضَابِط اسْمُه جَعْفَر نَميري قَد وَقَع.. فَلَجَأ مِن فَوْرِه إِلَى مَدِيْنَة وَدْمِدْنِي ثُم ذَهَب إِلَى الْجَزِيْرَة أَبَا عِنْد الْإِمَام الْهَادِي الْمَهْدِي عِنَدَمّا أَتَاه مِنْه رَسُوْل.
زَعَامَتِه لِلْجَبْهَة الْوَطَنِيَّة الْمُعَارَضَة لِنِظَام مَايُو 1969م
وَلِأَن هَذَا الِانْقِلَاب كَان شُيُوعيّا أَحْمَر لَم تَسْتَكِن لَه الْقُوَى الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة فِي الْحَرَكَة الْوَطَنِيَّة الْسُودَانِيَّة مِن الْبَدَايَة.. وَمَن ثُم أَعَدْت عِدَّتُهَا لِلْمُوَاجَهَة الْمُسَلَّحَة لاقْتِلاعُه قَبْل ان يَتَمَكَّن مِن الْرُّسُوخ؛ وَقَد تَجَمَّعَت فِيْهَا بَعْض الْقِيَادَات الْسِيَاسِيَة الْمُعَارَضَة لِلشُيُوَعْيِّين؛ ثُم تَبَلْوَرَت الْمُعَارَضَة مُكَوَّنَة جَبْهَة وَطَنِيَّة عَرِيْضَة تَحْت زَعَامَة الْشَرَيْف حُسَيْن الْهِنْدِي؛ فَاوَفَدَتِه لِلْخَارِج حَيْث قَام بِدَوْرِه فِي تَنْظِيْم الْعَمَل خَارِج الْسُّوْدَان. وَفِي مُؤْتَمِرِسِّياسِي جَامِع (فِي مَوْسِم الْحَج عَام 1970م) انْعَقَد بِمِنَى كَان الْشَّرِيف نَجْمَه الْسَّاطِع وَابْرِز الْمُشْتَرِكِيْن فِيْه.. اتَّخَذ الْمُؤْتَمَر قَرَارَات بِتَّوْسِيْع النَّشَاط الْمُضَاد لِحُكُومَة الِانْقِلاب؛ وَبِاعْتِرَافِهَا (عَلَى لِسَان وَزَيْر دَّاخْلَيَّتِهَا بِاستُديوَهَات الْتِّلْفِزْيُون يَوْم 24 يُوْنْيُو1970م)، بْتِوَحُّد عَمِل الْمُعَارَضَة ضِدّهَا فِي الْخَارِج.. كَمَا تُرَكِّز وَتَكَثَّف وَسَط طُلّاب الْجَامِعَات فِي الْدَّاخِل؛ إِعْدَادْا نَفْسِيّا وذِهنيّا لَهُم بُغْيَة تَوْعِيَة وَتَعْبِئَة الْجَمَاهِيْر سِيَاسِيا لِمُقَاوَمَة الْنِّظَام الْشُّيُوعِي الْعَمِيل. إِقْرَأ مَا قَالَه د. يُوَسُف الشْويْري (صَدِيْقَه) عَن مُقَاوَمَة الْشَّرِيف لِنِظَام مَايُو الْعَسْكَرِي، مَقَالَتِه بِعُنْوَان الْدِّيِمُقْرَاطِيَّة الْثَّائِرَة.
وَتَم شِرَاء السِّلَاح وَارْسَالُه لِلْدَّاخِل بِطُرُق وَعِرَة وَخَطِيْرَة لْمُعَسْكَر الانْصَار بِالْجَزِيْرَة ابَا بِوَاسِطَة، وَسَبَق ان لَبَّى الانْصَار نِدَاء الْامَام الْهَادِي الْشَّهِيْد لِلْجِهَاد.. وَفِي رِحْلَة الْنُّمَيْرِي لِلْنَّيْل الْابْيَض حَدَث الاشْتِبَاك الْأَوَّل مَعَه وَكَان الْأَنْصَار فِي مُظَاهِرَة سِلْمِيَّة تُرْفَع مَطَالِبَهُم إِلَا ان نَميري ادَّعَى مُحَاوَلَتُهُم إِغْتِيَالِه؛ وَمَن ثُم ارْسِل جَيْشِه فِي 27 مَارَس 1970م مُتَدَفِّقَا عَلَى الْجَزِيْرَة ابَا لِيُطْلِق قَذَائِف الْهَاوَن الْثَّقِيْلَة عَلَى الابْرِيَاء هُنَاك.. كَمَا تَدَخَّلَت طَائِرَات دَوْلَة بِالْجِوَار أُحْرِقَت الْجَزِيرَة بِقَذَائِف الْمَوْت ثَلَاث لَيَال مُسْتَمِرَّة اسْتُشْهِد فِيْهَا الْآلَاف.
فِي الْعِرَاق مَع بَدْرُالدّيْن مُدَّثِّر ، عُضْو الْقِيَادَة الْقَوْمِيَّة لَحِزْب الْبَعْث الْعَرَبِي الْإِشْتِرَاكِي
وَرَئِيْس مَكْتَب الْسُّوْدَان بِالْقِيَادَة الْقَوْمِيَّة
مُصَالَحَة "جُدَّة" الَّتِي تَنَكَّر لَهَا نَميري
فِي مَطْلَع 1972م - بَدَأَت وُفُوْد الْنِّظَام تَتَوَالَى عَلَى الْشَّرِيف فِي السَّعُوْدِيَّة ، وَسِيْطَة مِن أَجْل الْمُصَالَحَة الْوَطَنِيَّة ، وَمِن أَجْل الْمَصْلَحَة الْعَامَّة. وَوَضَع الْشَّرِيف وَصَحْبِه شُرُوْطا وَاضِحَة كَالْشَّمْس ، لِعَوْدَة مِثْل هَذِه ، وَقَبِلَهَا الْوَفْد وأبَرَقَهَا لِلنُّمِيْري ؛ الَّذِي أَبْرَق مُوَافِقا ثَم اشْتَرَط الْشَّرِيف أَن يَأْتِي نَميري لَجُدَّة، لِيَتِم الِاتِّفَاق أَمَام الْمَلِك فَيْصَل ، وَيَكُوْن بِذَلِك شَاهِدَا عَلَيْه . وَأَتَى نَميري ؛ وَاجْتَمِع بِه الْشَّرِيف لِلْمَرَّة الْأُولَى فِي حَيَاتِه ، فِي حُضُوْر جَلَالِة الْمَلِك فَيْصَل ؛ وَأَبْدَى كَلَّا الْطَّرَفَيْن حُسْن الْنِّيَّة .. ثُم تَرَكَهُمَا الْمَلِك فَيْصَل لَيُنَاقِشَا وَحْدَهُمَا وَيَبْلْغَاه بِمَا اتُّفِق عَلَيْه .
وَوَافَق نَميري عَلَى إِعَادَة الْعَمَل بِالدُّسْتُوّر ، وَعَلَى كَفَالَة الْحُرِّيَّات الْعَامَّة وَاسْتِقْلَال الْقَضَاء ؛ وَوَافَق عَلَى حَق الْشَّعْب فِي أَن يُنْتَخَب مِن يُمَثِّلُه فِي نَزَاهَة وَحُرِّيَّة ، كَمَا وَافَق عَلَى إِلْغَاء التَأَمِيْمَات وَالمَصَادُرَات .
اسْتَصْدَر الْشَرَيْف مِن الْمُلْك فَيْصَل شِيْكَا بِمَبْلَغ 120 مْلْيُوْن دُوَلار ؛ هِي قِيْمَة الْتَّعْوِيْضَات .. وَسَلَّمَه لنُّمِيْري ؛ وَلَم يَعْرِف الْشَّرِيف إِلَى أَن تَوَفَّاه الْلَّه ، مَا حَدَث لِذَلِك الْشِّيْك !!!
وَالْتَزِم الْنُّمَيْرِي بِإِذَاعَتِه بِمُجَرَّد وُصُوْلِه الْخُرْطُوْم، وَلَكِن عِنْدَمَا عَاد نَميري إِلَى الْخُرْطُوْم، تُفَاجَأ الْشَّرِيف وَصَحْبِه عِنَدَمّا جَاء صَوْتَه فِي الْمِذْيَاع يَكِيْل الْقَدَح وَالذَّم وَالْسِّبَاب لِلْشَّرِيف ، وَلِمَن مَع الْشَّرِيف ؛ وَلَم يُخَيِّب نَميري ظَنِّهِم فِي الْتَّنَكُّر لِلْعَهْد وَنُقِض الْوَعْد . وَانْصَرَف الْشَّرِيف لمِعَرَكَتِه الْسَّادِسَة مَع الْنِّظَام ؛ ذَهَب لِيُجْهِز لِانْتِفَاضَة يُوَلْيُو (1976م) ، تَجْهِيْز الْعَرُوْس فِي لَيْلَة زِفَافِهَا ، وَلَقَد أَسْمَاهَا - رَحِمَه الْلَّه – "عَرُوْس الثَّوْرَات".
وَلَم يَكُن بِالإِمر الْمُسْتَغْرَب بَعْد ذَلِك نَقْض نَميري لإِتِّفاقِيّة أَدِيْس أَبَابَا الْشَّهِيْرَة الَّتِي وُقِّعَت عَام 72 وَبِرِّعَايَة الْإِمْبَرَاطُوْر الْإِثْيُوبِي "هَيْلَا سَيْلاسِي" مَع مُتَمَرِّدِي حَرَكَة الأَنَانيّا.
كَانَت اجْرَاءَات الْقَمَع وَالْقَهْر الَّتِي تَبِعَت أَحْدَاث الْجَزِيرَة أَبَا، لَم تَرْهَب الْمُعَارَضَة، بَل تَصَاعَدَت خُطُوَاتِهَا وَتَوَاصَلَت حَتَّى انْطَلَقْت حَرَكَة شَعْبَان 1973م.. حَيْث تَفَجَّرَت هَزَّة شَعْبِيَّة، يَقُوْدُهَا طُلُاب جَامِعَة الْخُرْطُوْم بِالْتَّضَامُن مَع تَنْظِيْمَات الْجَبْهَة الْوَطَنِيَّة وَشِعَارَاتِهَا تَهْتِف: "لَن تَرْتَاح ياسَّفَّاح".. وَلَمَّا تَضَامَنَت النِقَابَات مَع هَذِه، انْدَلَعَت الْمُظَاهَرَات وَالِاعْتِصَامَات؛ وَعَم التَّوَتُّر انْحَاء الْبِلَاد. وَتُوَاصِل الْغَلَيَان رَغْم اعْلَان حَالَة الْطَّوَارِئ؛ و"مُحَاكِم امِن الْدَّوْلَة وَالْإِرْهَاب الْشُّيُوعِي. ثُم ادْرِك الْنَّاس ان تَجْرِبَة الْمُقَاوَمَة الْمَدِنِيَّة - الَّتِي قُمِعَت بِالْدَّبَّابَات - لَن تَجِدِي فِي مُوَاجَهَة الْنِّظَام؛ وَتَرَسَّبْت قَنَاعَة تَامَّة عِنْد الْمُعَارَضَة، ان هَذَا الْنِّظَام الَّذِي يُوَاجِه الْنَّاس بِالْعُنْف لَابُد ان يُوَاجِه بِالْعُنْف.. وَمَا أَخَذ بِالْقُوَّة لَا يُسْتَرَد إِلَا بِالْقُوَّة.
نِضَالِه وَقِيَادَتُه "عَرُوْس الَإِنْتِفَاضَات" (يُوَلْيُو 1976م)
تَأَسَّسَت الْجَبْهَة الْوَطَنِيَّة مِن جَدِيْد مِن الْاحْزَاب الْسُودَانِيَّة الثَلاتَة: الِاتِّحَادِي الدِّيَمِوَقْرَاطِي وَحِزْب الْامَّة وَالاخْوَان الْمُسْلِمِيْن لِمُقَاوَمَة الْنِّظَام وَانْتَظَمَت اعْمَالِهَا بِالْخَارِج (بأثْيُوبيّا) فِي الْتَّدْرِيب الْعَسْكَرِي وَالاسْتِعْدَاد لِلْنُّزُوْل لَارْض الْوَطَن . وَتَنَازَل الْشَّرِيف حُسَيْن مِن رِئَاسَة الْجَبْهَة لِلْصَّادِق الْمَهْدِي وَاصِب 81; هُو نَائِبا لَه؛ وَلَكِنَّه كَان الْأَكْثَر حُضُورَا، وَالْمُمَوَّل الْرَّسْمِي لِكُل إِحْتِيَاجَات وَتَحَرُّكَات أَعْضَاء الْجَبْهَة، وَالَّتِي مَارَسَت عَمِلَهَا السِّيَاسِي بِالْخَارِج. وَتَلَقَّحْت مَنْشُوْرَات وَمُظَاهِرَات الْدَّاخِل بِالْحَدِيْث الْمُلْتَهِب مِن الْشَّرِيف الْحُسَيْن الْشَّرِيف حُسَيْن فِي اذَاعَة الْجَبْهَة الْوَطَنِيَّة بَاثْيُوبيّا –الَّذِي كَان يُتَابِعْه الْنَّاس بِالْدَاخِل بِشَغَف. وَكَان مِمَّن يُسَانِدُه فِي الْإِشْرَاف عَلَى الْمُعَسْكَرَات د. عُمَر نُوْر الْدَّائِم نَائِب رَئِيْس حِزْب الْامَّة.
إِمْتَد كِفَاح الْشَّرِيف وَصَحْبِه فِي نِضَالَهُم ضِد مَايُو بَيْن أَثْيُوبْيَا وَالْمَمْلَكَة الْعَرَبِيَّة الْسُّعُوْدِيَّة ، الَّتِى دَعِمَّتِهُم فِي أَوَائِل سِنِيْن الْنِّظَام الِمايُوي، لِلْقَضَاء عَلَى أَي تُوَجَّه شُيُوعِي بِالْسُّوْدَان. لَكِنَّهَا لَم تَكُن تُرَغِّب فِي الْإِعْلَان عَن هَذَا الْدَّعْم حَتَّي لَا يَسْتَدْعِي ذَلِك اي تُوَتِّر فِي عَلَاقَاتِهَا مَع حُكُوْمَة الْسُّوْدَان.. وَمَن ثُم بَحَثْت الْمُعَارَضَة عَن مَقَر لَهَا بُدَيْل. فَوَجَدْت عِنْد الْقِيَادَة الَلِّيَبِيَّة اسْتِقْبَالَا طَيِّبَا وَحَسُن وِفَادَة، لِأَن عَلَاقَتِهَا كَانَت سَيِّئَة مَع الْنِّظَام الْحَاكِم فِي الْسُّوْدَان.. وَوَجَدُوْا فِي لِيُبْيَا الْدَّعْم الْمَادِّي وَالْعَسْكَرِي، وَفُتِحَت لَهُم الْقِيَادَة الَلِّيَبِيَّة أَرَاضِي لِيُبَيّا، لِيَتَدَرَّب فِيْهَا مُقَاتِلُو الْجَبْهَة، الَّذِيْن انْتَقَل بَعْضُهُم مِن أَثْيُوبْيَا، وَأَنْضَم إِلَيْه أَنْصَار الْإِمَام الْهَادِي الْمَهْدِي الَّذِي أَوْصَاهُم قَبْل إِسْتِشْهَادِه بِإِتِّبَاع وَمُسَانَدَة الْشَرَيْف حُسَيْن الْهِنْدِي.
وَوُضِعَت خُطَّة مُحْكَمَة نَفَّذَها الْعَمِيد "مُحَمَّد نُوْر سَعْد" وَاسْتَطَاعَت قُوَّاتِه الْسَيْطَرَة عَلَى مُعْظَم وَحَدَات الْعَاصِمَة وَالْأَهْدَاف الْحَيَوِيَّة فِيْهَا كَالْاذَاعَة وَالْمْطَار وَدَار الْهَاتِف وَالْأَمَاكِن الْحَاكِمَة. لَكِنَّهَا لَم تَسْتَطِع تَّشْغِيْل الْإِذَاعَة أَو ايْجَاد اذَاعَة بَدِيْلَة كَمَا كَان مُخَطَّطا لِذَلِك، وَفَشِل فِي الْسَّيْطَرَة عَلَى وَحْدَة الْمُدَرَّعَات وَمُصَنِّع الْذَّخِيْرَة بِالْشَّجَرَة، وَفَشِل فِي الْسَّيْطَرَة عَلَى الْقِيَادَة الْعَامَّة لِلْجَيْش السَّوْدَانِي كَذَلِك. فَتَم دَحْرَهِا وَقَام نَميري بِّتَعْذِيْب الْمُشَارِكِيْن فِي هَذَا الْإِنْقِلاب بِصُوْرَة وَحْشِيَّة –كَتَعْذِيبُه لِلْقَائِد الْشُّجَاع دَفْع الْلَّه رَاس الْمَيِّة- وَتَنْفِيْذ الإِعْدَامَات الْجَمَاعِيَّة بِدُوْن مُحَاكَمَات وَبِدُوْن رَحْمَة.
إِقْرَأ هَذَا الِّلقَاء الْصَّحَفِي الَّذِي أَجْرَاه صُحُفِي لُبْنَانِي بَعْد أَحْدَاث حَرَكَة 2 يُوَلْيُو1976.
مُصَالَحَة بُوَرَتَّسُوُدَان الْفَاشِلَة (7-7-1977م) وَانْقِسَام الْمُعَارَضَة
عِنَدَمّا سُئِل الْشَّرِيف بَعْد فَشَل هَذِه الْمُصَالَحَة: هَل تِعْتَقِدُوْن أَن انْقِسَامَات الْقُوَى الْسِيَاسِيَة لَعِب لِغَيْر صَالِح الْمُعَارَضَة ؟ رَد قَائِلا: إِنْقِسَامَات الْمُعَارَضَة .. إِنْقِسَامَات زَعامِيّة وَلَيْسَت شَعْبِيَّة . فَالرَّأْي الْعَام السَّوْدَانِي وَالْشَّعْب السَّوْدَانِي كُلِّه مُعَارِض؛ مُهِمَّا كَانَت خَلْفِيَاتِه الْسِّيَاسِيَّة ، وَأَيّا كَان مُدَّعُو زَعَامَتِه . وَإِن كَانَت الانْقِسَامَات أَثَّرَت عَلَى الْسَّطْح وَعَلَى الَّذِيْن يَقِيْسُوْن الانْقِسَام بِالْأَشْخَاص، فَهِي لَم تُؤْثِر عَلَى الْعُمْق إِطْلاقَا . وَنَفْس الَّذِيْن قَاتَلُوا مِن أَجْل يُوَلْيُو ضِد الْنِّظَام ، سَيُقَاتُلُون الْآَن ضِدَّه بِنَفْس الشَّرَاسَة؛ مُهِمَّا حُدِّثْت مِن انْقِسَامَات . فَمُدَّعَو الْزَّعَامَة أَو الْوِرَاثَة مَعْزُولُون شَعْبِيّا .. وَوُقُوْفِهِم مَع الْنِّظَام لَا يَكْسِبُه قُوَّة ، إِنَّمَا يُكْسِبُهُم ضَعُف.
إِتِّفَاقِيَّة مُصَالَحَة لَنْدَن.. "الْحَق الَّذِي أُرِيْد بِه بَاطِل" 1979م
الدُّكْتُوْر عُمَر مُحَمَّد الْطَيِّب الَّذِي كَان نَائِبا لِلْرَّئِيْس الْمَخْلُوْع نَميري كُتِب مَقَالَا يَوْم الْسَّبْت الْمُوَافِق 16 مَايُو 1998م فِي وَاحِدَة مِن صُحُف الْخُرْطُوْم ذِكْر فِيْه عَلَاقَة جَدِّه لِأُمِّه الْحَاج اسْمَاعِيْل السْرُوَرَابِي بِأَسِرَّة الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي الَّذِي كَان يُنَادِيِه "بِخَالِي".. وَمِن هُنَا كَانَت هَذِه الْعَلَاقَة سَبَبا فِي مُبَادَرَتَه الْشَّخْصِيَّة لِاتِّفَاقِيَّة الْمُصَالَحَة فِي لَنْدَن بَيْن نِظَام الْمَخْلُوْع نَميري و الْشَرَيْف حُسَيْن الَّذِي وَصَفَهَا بـ "الْحَق الَّذِي ارِيْد بِه بَاطِل" فِي مُذَكَّرَاتِه بِعُنْوَان: "لْوَطَنِي وَلِلِتَّارِيْخ".. رَاجِع مَقَال د. عُمَر فِي الْرَّابِطَة اعْلَاه.
فِي نَدْوَة أُقِيْمَت بِلَنْدَن نَظَمَهَا طُلُاب الْحِزْب الإتِّحَادِي الْدِّيْمُقْرَاطِي
حُجَّة وَدَاعِه وقَرآتَه الْمَوْلِد بِالْمَدِيْنَة الْمُنَوَّرَة
بِنِهَايَة عَام 1981ه كَان الْشَّرِيف قَد أَدَّى فَرِيْضَة حُجَّة وَدَاعِه الاخِيْرَة وَعَلَى الْرَّغْم مِن ظُرُوْفِه الْسِّيَاسِيَّة وَالْصِحِّيَّة؛ زَار الْمَدِيْنَة الْمُنَوَّرَة وَأَقَام بِهَا مُدَّة شَهْر- أَطْوَل هَذِه الْمَرَّة مِمَّا اعْتَاد عَلَيْه - وَتُلِى فُصُوْلِا مِن كِتَاب "حَسَن الْخِتَام فِي مَوْلِد سَيِّد الْأَنَام ".. تَأْلِيْف وَالِدِه الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي (رَحِمَهُم الْلَّه) فِي جَمْع مِن أَحْبَاب بَيْتِهِم وَمُرَيْدِي طَرِيْقِهِم الْدِّيْنِيَّة الصُّوْفِيَّة تَبَرَّكَا وَاحْتِفَالِا يَّوْمَذَاك بِذِكْرَى مَوْلِد جَدِّه الْمُصْطَفَى (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم).. يُمْكِن الاسْتِمَاع إِلَيْه هُنَا وَهُو يَتْلُوْه ( ) .
إِقْرَأ بَرْنَامِجَه الاقْتِصَادِي لِلْإِنْقَاذ الْوَطَنِي.
سَفَرِه لِمُؤْتَمَر اثِيْنا وَوَفَاتِه هُنَاك 9 يَنَايِر 1982م
كَان الْحِزْب الِاتِّحَادِي الدِّيَمِوَقْرَاطِي يَعْقِد مُؤْتَمِرَا تَارِيْخِيَّا فِي إِحْدَى جُزُر الْيُوْنَان ، وَهُو أَكْبَر مُلْتَقَى لِلِاتِّحادِيِّين ضَم شَمْلَهُم قِيَادَة وَشَبَابا وَطَلَابَا ، مُنْذ أَن انْفَض سَامِر الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة فِي صَبِيّحَة 25 مَايُو 1969م الْمَشْؤُوم ؛ وَكَان مِن الْمُقَرَّر أَن يُخَاطِب "الْشَّهِيْد الْبَطَل" هَذَا الْمُؤْتَمَر فِي جِلْسَتِه الْخِتَامِيَّة ، وَعِنْد عَوْدَتِه.. فِي طَرِيْقِه لِلْمُؤْتَمَر مِن مَدِيْنَة الْرَّسُوْل (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم) ، أُصِيْب "بِالْذُّبَحَة الْقَلْبِيَة" فِي مَدِيْنَة جَدَّة ، وَلَزِم غُرْفَة "الْعِنَايَة الْطَّبِّيَّة الْفَائِقَة" فِي مُسْتَشْفَى جُدَّة الْوَطَنِي، وَتَسَتَّر الْمُرَافِقُوْن - بِتَوْجِيْه مِنْه - عَلَى هَذَا الْحَدَث حَتَّى عُوْفِي وَأَصَّر – فِيْمَا عَلِمْنَا - عَلَى مُقَابَلَة الاميُرفَهّد بْن عَبْد الْعَزِيْز (كَان يَوْمُهَا وَلِيّا لِلْعَهْد), وَهُو عَلَى مَوْعِد مَعَه بِالْرِّيَاض؛ كَمَا كَان عَلَى مَوْعِد آَخَر أَيْضا (مَع الْمَلِك حُسَيْن فِي عَمَّان) أَوْفَى بِلِقَائِه فِيْهَا قَبْل الْذَّهَاب إِلَى الْيُونَان الَّتِي كَان مْطَارِهَا مُغْلَقَا بِسَبَب إِضْرَاب الْعُمَّال بِه، فَنَزَل بِمَكَان آَخَر وَأُسْتُغِل مُرَكَّبَا لِلْوُصُول لأَثِيْنا فَنَزَل بِفُنْدُق "الْمَلِك مِينُوس" وَطَلَب مِن مُرَافَقَه الْعُثُور عَلَى مَكَان خَالِه –وَأُسْتاذِه وَمُرَبِّيَه- الْمُتَوَاجِد بأَثِيْنا وَقْتِهَا "أَحْمَد خَيْر الْمُحَامِي".
وَخَرَج الْمَرَافِق مُلَبِّيَا طَلَب "الْشَّيْخ" .. وَمَن بَعْد خُرُوْجِه مُبَاشَرَة ، أُغْلِق الْشَّهِيْد بَاب الْحُجْرَة ، وَانْتَقَل مِن الْمَقْعَد الَّذِي كَان يَجْلِس عَلَيْه .. لِلْسَّرِيْر، لِيَقْضِي نَحْبَه هَادِئا مُطْمَئِنا ، مُرْتَاحَا فِي رَقْدَتَه الْأَخِيرَة ، وَكَأَنَّه يَغِط فِي نَوْم عَمِيْق ، وَلَيْس عَلَيْه مُظْهَر مِن مَظَاهِر الْمَوْت !! وَتِلْك كَانَت حَسَن الْخَاتِمَة. وَبَكَّتَه جُمُوْع غَفِيْرَة لَا حَصْر لَهَا وَلَا عُد سُّوَدَانِيِّين وَيُوْنَانِيِّيْن طَلَابَا وَغَيْرِهِم إِفْتَقُدُّوه وَإِحْسَانِه إِلَيْهِم,
الْصَّلاة عَلَى جُثْمَانِه الْطَّاهِر فِي ثَلَاث قَارّات وَدَفَنَه بِالْسُّوْدَان
نَعْي الْحِزْب الِاتِّحَادِي الدِّيَمِوَقْرَاطِي وَفَاة الْشَرَيْف حُسَيْن الْهِنْدِي، وَتَم تَشْيِيْع جُثْمَان الْشَّهِيْد الْطَّاهِر تَكْرِيمَا لَه فِي ثَلَاث قَارّات.. بَدْءِا بِالْيُونَان نَفْسَهَا (فِي أُوْرُبَّا)؛ مُرْوَرَا بِطَرَابُلُس عَاصِمَة الْفَاتِح مِن سِبْتَمْبِر فِي لِيُبْيَا (بْأَفْرِيقْيَا) وَالَّتِي تَمَنَّت عَلَى الْمُرَافِقِيْن بَعْد الشَلَاة عَلَيْه أَن لَّو يُدْفَن مَع الْمُجَاهِد الْعَظِيْم عُمَر الْمُخْتَار رَحِمَه الْلَّه..
وَبَعْدَهَا طَلَبْت فِي إِصْرَار بَغْدَاد عَاصِمَة الْرَّافِدَيْن بِالْعِرَاق (فِي آَسِيَا)، مُتَمَنِّيَة عَلَى الْمُرَافِقِيْن أَيْضا أَن لَّو يُدْفَن بَعْد الصَّلَاة عَلَيْه فِي كَرْبَلَاء مَع جَدِّه سُمِيَّه سَيِّد الْشُّهَدَاء الْإِمَام الْحُسَيْن إِبْن الْإِمَام عَلَي (رِضُواان الْلَّه) عَلَيْهِم؛ بَيْنَمَا عُرِضَت الْمَمْلَكَة الْعَرَبِيَّة الْسُّعُوْدِيَّة (حَفِظَهَا الْلَّه) الصَّلَاة عَلَيْه فِي الْمَسْجِد الْنَّبَوِي الْشَّرِيف، وَدَفَنَه بِالْبَقِيع مَع آَل الَيَيت الْهَاشِمِي الْأَكْبَر، قُرْب جَدِّه الْأَعْظَم ( ) .. إِذَا مَا مَا تَعَنُّت الْحَاكِم الْطَّاغِيَة الْعُتُل ذَاك الْشَّامِت الْخَالِي مِن كُل خُلْق سُوْدَانِي الْكَرِيم فِي مِثْل هَذِه الْمَوَاقِف الْإِنْسَانِيَّة الْعَصِيبَة خَاصَّة عِنْد الْمَوْت (فَلَم يَنْعِه)، نَاسِيا رَبِّه وَسَبِيْل الْأَوَّلِيْن وَالْآخِرِيْن الْمُنْتَظِرَه إِبَدَا - وَيْلَا لَه - مُهِمَّا طَال عُمُرُه وَسَاء عَمَلُه فَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَا بِالْلَّه ..
لَقَد تَم كُل الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل ان وُوْرِي الْثَّرَى الْجُثْمَان الْطَّاهِر لِلْشَّرِيف حُسَيْن الْهِنْدِي فِي ضَرِيْح وَالِدِه الْعَارِف بِالْلَّه الْشَّرِيف يُوْسُف فِي حَيِّهِم بِضَاحِيَة بَرِّي اللامِاب بِمَدِيْنَة الْخُرْطُوْم؛ رَحِمَهُمَا الْلَّه رَحْمَة وَاسِعَة.
قَال الْشَّاعِر ابْرَاهِيْم عُمَر الْامِيْن عَلَيْه الْرَّحْمَة فِي رَثَاء الْشَرَيْف حُسَيْن الْهِنْدِي:
وَاصْعَد الَى الْخُلْد رُوْحَا طَاهِرَا عَبَقَا كَفَاك فِي الْأَرْض بَذْلِا كَنَّتُه فِيْهَا
وَان طَوَى الْجَسَد الْفَانِي الْمَنُوْن فَفِي ذِكْرَاك صَفْحَة مَجْد لَيْس يَطْوِيْهَا
مُذَكِّرَاتِه بِعُنْوَان.. "لْوَطَنِي وَلِلِتَّارِيْخ"
ذِكْرِنَا اعْلَاه فِي الْتَّنْوِيْه وَالْإِشَادَة بِعَطَاء الْبرُوْفْسِيّر د. يُوَسُف الشْويْري (جَزَاه الْلَّه خَيْرَا) حِيْن اعِد مِسْوَدَّات هَذِه الْمُذَكِّرَات الْتَّارِيْخِيَّة الْقَيِّمَة وَفَاء لِصَاحِبِه وَصَاحِبُهَا حُسَيْن الْهِنْدِي – رَحِمَه الْلَّه – رُّبَمَا كَان يَأْمَل طَبْعِهَا وَنَشْرِهَا آنذُك او قَرِيْبا مِنْه وَلَكِن حَالَت ظُرُوْف شَخْصِيَّة وَمَادِّيَّة عِدَّة.. دُوْن ذَلِك. الْأَمْر الَّذِي قَعَد بِمَا هُو مَطْلُوْب عَن الْتَّنْفِيْذ رَدْحَا طَوَيْلَا وَلَعَل فِي كُل تَأَخِيْرة خِيَرَة كَمَا يَقُوْلُوْن! إِذ الْيَوْم الْتَّفْكِيْر جَار فِي سِلْسِلَة فُصُوْل هَذِه الْمُذَكِّرَات فِي مَوْقِعَنَا هَذَا عَلَى نِطَاق الْنَّشْر الْعَالَمِي الْأَكْبَر (الْإِنْتَرْنِت).. وَرُبَّمَا لِحِكْمَة الْخِيَرَة فِي نَشْرِهَا دُوَلِيّا كَمَنَت فِي تَأْخِيْرِه زَمَنَا طَوِيْلَا .. اوَلَعَلَهَا هَكَذَا أَرَادَهَا الْلَّه تَعَالَى.
وَسَيَجِد الْقَارِئ الْكَرِيْم بِدَايَّة فَهْرَسَة كِتَاب "لْوَطَنِي وَلِلِتَّارِيْخ".. وَمُذَكْرَات الْشَرَيْف حُسَيْن الْجُزْء الْأَوَّل (الْهَارِب)، وَبِرَغْم ماقَمْنا بِه مِن إِقْتِبَاسَات كَثِيْرَة مِنْهَا فِي الْمَوْقِع الْيَوْم عَلَى امَل نَشَرَهَا قَرِيْبا - مَطْبُوْعَة اوَمُسِلْسِلّة هُنَا - بَعْد ان تَوَفَّرَت بَعْض الْوَسْائِل الْلَّازِمَة بِحَمْد الْلَّه لِذَلِك.. او غَاب قَوْسَيْن بِالْأَحْرَى؛ فَلَك الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى .. أَخَانَا يُوَسُف مَع خَالِص الْتَّحِيَّات.
فِكْرَه السِّيَاسِي وَمَبَادِئِه فِي أَقْوَالِه.
هَؤُلَاء قَالُوْا عَنْه
هُنَاك عَدَد مِن الْشُّعَرَاء الْسِيَاسِيِّيْن الْفُحُول، مِن رِّثُوْا الْشَّرِيف الْحُسَيْن رِثَاء حَارّا، يَنَم عَمَّا فِي صُدُوْرِهِم مِن حُب وَطَنِي عَمِيْق لَه؛ نَذْكُر مِنْهُم الْشَّاعِر الْقَوْمِي الْأَمِيْن حَامِد شَاعِر السْقَاي؛ وَالْشَّاعِر الْشَّعْبِي الْمُهَذَّب الْحَافِظ لِلْمَسَافَة بَيْنَه وَالْمَغْفُوْر لَه اسْتَاذِنَا الْبرُوفُسر د. عَبْد الْلَّه الْطَّيِّب.. ذَلِك أَن إِسْمِه الثُّنَائِي كُإِسْمِه بِالضَّبْط؛ وَمَن ثُم كَتَب شَاعِرُنَا وَرَاء أَسْمُه عَبْد الْلَّه الْطَّيِّب (غَيْر الدُّكْتُوْر).. فَيَا لَه مِن تَهْذِيْب!
كَمَا كُتِب عَنْه كِبَار الْكِتَاب الْسُّوْدَانِيِّيْن وَالْعَرَب.
"إِن الْرِّجَال وَالْأَنْفُس وَالْأَرْوَاح كُلَّهَا ذَاهِبَة، وَتَبْقَى الْأَرْض،
وَيَبْقَى الْوَطَن، وَيَبْقَى الْشَّعْب، وَيَبْقَى الْتَّارِيْخ"

كُل مَا سَبَق مَنْقُوْل مِن مَوْقِع الْشَّرِيف الْهِنْدِي