Powered By Blogger

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

استطرادات (2)

20 سبتمبر 2013
كانت السماوات ترسل شواظا من لهب في احدي عتامير الشرق ونحن ركوبا علي ظهر عربة بائسة تتبع للمستشفي نقطع المسافات ,ونحن فاقدي الرغبة في السفر. كان عددنا يقارب الثلاثين. ما بين طبيب و اداري و فنيين تحصين ومساعدين وممرضين وطباخين..كانت الرحلة قد بدأت قبل اكثر من اسبوع وقد نال منا التعب مبلغه..كنا نقف علي نواصي القري و اطراف البلدات وعلي قرب تجمعات المناطق المأهولة لكي نقدم (خدمات طبية مجانية) لأنسان شرق السودان.تحركنا من كسلا وتطوفنا علي (ود شريفي عند معسكر اللاجئين)..(ووقر) و (عواض) و (أروما )..وحتي (همشكوريب)..كانت الايام ايام مسغبة وفاقة وجوع..كان الزرع قد جف و كأنما غضبة الهية غشيت الأمكنة..والضرع قد جف في حلمات البهائم و اصبحت الحياة قطعة من الجحيم..لا بد أن الخيال السوداني قد نضب معينه في تلك السنوات..ننزل الي القرية فتنصب لنا خيمتين عظيمتين في دقائق..وننزل معداتنا ونبدأ العمل..نطيب خاطر المرضي بكلمات فاضلات اكثر من علاجات علمية تتناقص كمياتها يوما بعد أخر.ويبدأ فنيي المعامل في أخد عينات من دم المرضي لفحص الملاريا و الالتهابات..ويحقن الممرضين المرضي (ببنسلين مائي) و (كلوروكوين ) ..وتصرف لهم (الاستربتو) و (السيازينا) و(فيتامين) لمعالجة السل الرئوي المنتشر..تصرف للاطفال جرعات التطعيم من (شلل الاطفال) فور وصولهم..وكان مندوب احد المنظمات يصرف لهم مطهرات للتخلص من القمل..ويقوم المساعد الطبي ومحضري العملية بعمليات الختان للاطفال من عمر ثلاثة وحتي ثمانية.. وكان الاطفال المفزوعين يقفون صفوفا هؤلاء المساكين وتجحظ اعينهم في انتظار دورهم.وكنت اخلع لهم اسنان مخلخلة الجدور من سوء التغدية...كانت قليلة تلك الايام التي استضافنا فيها بيت..فقد كنا ننزل في المساجد غالبا و ندخل اسرتنا داخله و ننام..اكثر من شهر تطوفنا فيه تلك الفيافي ..وتعاملنا مع انسان الشرق البائس المهضوم الحقوق ربما مند الازل.
عملي بمستشفي كسلا لم تبق من دكراه الا لمحات مثل التي سجلت..وكان معطم الاطباء يخشي الخروج من (كسلا) الي الاقاليم غاية الخشية . كانت اروما بالنسبة لهم هي الجحيم الفاغر الفم اما (همشكوريب ) فقد تفنن احد زملائنا عندما جاء منها في اجازة في وصفها بانها ليست همشكوريب بل: (هم) و (شك) و (ريب)..فلله در اهلها وساكنيها..
أواه يا ارض شرقنا المصابرة. يا ارض اوشيك و اونور وارض الابل وارض (الرشايدة)..لم تكتحل عيناي برؤيتك مند حقبة التمانينيات..و لا ادري متي اجد فسحة من الزمان لاعاود حنيني اليك.ولكن ادا دكر عاشقيك في الدنيا فاحسبيني منهم.

استطرادات (1)

20 سبتمبر 2013

(استطرادات) هي مونولوج داخلي اتجرأ لاسجله في كلمات.قد لا يصلح مقال (استطرادات) للقراءة بواسطة الاخرين,وهدا غالب الظن.وادا كان دلك كدالك فانه لا يصلح للنشر ايضا.ولكن المؤكد اكثر من هدا و داك فانها لا تصلح للنقاش و المراجعة بواسطة اخرين.وقد سميتها (استطرادات) لانها لا تلتزم بوحدة الموضوع..فحديث يقود الي اًخر وهكدا.وانا لم ابتدع حديث الاستطرادات فقد قرأت للمرحوم عبد الله الطيب كتابا كاملا سمي (من نافدة القطار) يمتلي بهدا النوع من الكتابة. ولانها مونولوج داخلي حر.فلا تلتزم بلسان واحد.فبعضها بالعربية الفصيحة وبعضها بلغة دارجة وربما انحدر بعضها الي لغة الحواري. وازيدكم من الشعر بيتا..فليس لها بداية او نهاية.
(وجب التنويه الي ان حرف الزال معطل في لوحة مفاتيحي..وانا استعيض عنه بالدال .)
استطرادات
1
(السنوات الاولي لحقبة التمانينيات)
الصباحات الباكرة .,الهواء المنعش الدي يهب من اتجاه البحر..عند عبورك من شارع (طيبة) مخترقا دوار (اسبورتنج),وعبورك شارع (تأنيس) ثم وصولك الي شارع (الجيش) تهب عليك نسائم البحر المضمخة برائحته فتنعش روحك الهائمة و الحائرة و تنفض عنك ما تبقي من نعاس.ثم تصل اخيرا الي كازينو يوغل داخل البحر ما يقارب مائة متر..تصله بممر طويل..والكازينو نفسه يقوم علي شكل دائرة تستند علي علب اسمنتية اسطوانية ضخمة تغوص داخل المياه,,فتحس بنفسك حين تدخل انك داخل مركب عظيم..وعادة يكون الكازينو خاليا عند هدا الوقت-الا من بعض الرواد القليلين جدا..يجلس معظمهم داخل المبني نفسه علي المناضد المرصوصة في الباحة الداخلية المحمية بالزجاج من جميع الاوجه..ولكنك تفضل الجلوس علي المناضد الخارجية..لكي لا ينقطع عنك الهدير الابدي للبحر الهائج بما تبقي من (مد) الليلة الماضية.تحمل في يدك كتاب (ملحمة الحرافيش).الدي صدر هدا الاسبوع.وهو اخر انتاج الكاتب الكبير نجيب محفوظ.وتجلس دقائق تتأمل حولك المناضد الخالية..وتتسمع اصوات المدينة القديمة العريقة الرائعة..يلطم الهواء وجهك ..ثم تطلب من الساعي المدهول من اختيارك الجلوس خارجا ان يأتيك بفنجان القهوة ثم تبدأ الرحلة داخل عالم (عاشور الناجي) و(درويش)و(شمس الدين)و(جلال) ..
لجورج اورويل رواية كاملة قراءتها وانا صغير(1) يرجع الراوي الي مدينته التي تربي فيها بعد مرور عشرات السنين.فيجد ان كل شيء قد تغير ويظل طيلة صفحات الرواية يقف في احد الامكنة ويقول هنا كان يوجد كدا و كدا .والان انا اتدكر هده الرواية بمناسبة ان مدين الاسكندرية التي احببت قد ازالت هده الكازينوهات التي كانت من السمات البارزة للمدينة في فترة اقامتي بها في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات..كان لكل محطة ( كامب شيزار- ابراهيمية- اسبورتنج- سيدي جابر الشيخ..الخ) علي سيف البحر تماما كازينو من هده الكازينوهات..والان عندما انظر علي (قوقل ايرث) او اري صورا حديثة للمدينة العجوز فانني لا أجد هده الكازينوهات..ولا بد ان توسعة شارع الجيش نتيجة كثافة الحركة المرورية قد اضطرت مهندسي المدينة لازالتها وتوسعة الشارع الي اقصي الحدود.
ايتها الاسكندرية ايتها المدينة الفخيمة الرائعة العجوز..انا لم ازرك مند تلك الحقبة..ولكني ايضا لم أنساك..وأخاف حين الرجوع الي رحابك ان أواجه بما كتبه جورج اورويل في روايته.
عثمان جابر
* * *
(1) قراءتها في طبعة قديمة بائسة ممزقة ولكنها مترجمة ترجمة رائعة..وكان دلك عام 1975..وقد عثرت عليها في مكتبة ام درمان المركزية..وعند قراءتها لم اكن اعرف ان الكاتب هو احد الكتاب الانجليز الاماجد..وقد اعجيتني جدا حتي انني قراءتها في خلال الاسبوع الدي استعرتها فيه ثلاثة مرات.ومما يؤسف له انني لا اتدكر الان اسم الرواية .ولكن لابد ان كثيرون يعرفونها لان جروج اورويل من مشاهير الادب العالمي و انتاجه محفوظ ومعروف للمهتمين بالاْداب.

 ‎‎.‎