سلسلة مقالات عن فن الغناء السوداني
-1-(التقليد)
بسم الله الرحمن الرحيم
فن الغناء السوداني غابة متشابكة..اوراق تغطي افرع.. و افرع متشابكة تغطي سيقان و ليس في الغابة من يرصد..
ظللت حتي في اكثر الايام التي انشغلت فيها متابعا لمسار الغناء السوداني ..وقراءت كثيرا من الكتب و المقالات التي اهتمت بمسار هذا الفن..ولي فيه نظرات لم يحن الوقت بعد لتسجيلها..وارجو من الله ان اجد من الوقت فراغا- وسط هذا الخضم من المشغوليات و الهموم الشخصية و العائلية في بلد كالسودان تزداد مشغولياتك فيه يوميا-اجد فراغا حتي اسجل نظراتي و رؤأي في فن الغناء السوداني.
استمعت وانا طفل صغير للاذاعة السودانية باستمرار..وكانت حينها تهتم بنشر الاغاني الجيدة لكبار المطربين و يحكمها قانون برمجة قاسي..ولها خطة لا تحيد عنها أنذاك في وضع البرامج و الاغاني لمدة سنة مقدما تنشر علي الناس في مجلة فنية مواكبة اسمها الاذاعة و التلفزيون و المسرح وللذين لا يملكون ثمن المجلة وكنت احدهم-كان المذيع قبل كل نشرة اخبار يقوم باذاعة جدول اليوم الذي يليه...حتي الاغاني فيمكنك ترصد اغنية معينة سوف تذاع بعد 4 شهور من الان في فترة ال 5 دقائق قبل نشرة اخبار الساعة 2 ظهرا مثلا...ثم يصدق الوعد و تستمع في الوقت المحدد للاغنية المحددة..سبحان الله...اين كنا و اين اصبحنا...هذا البرنامج القاسي المنظم تلتزم به اذاعات محترمة ك BBC حتي الان...السؤال هو :لماذا نتدهور باستمرار...والي اي مدي في القاع سوف نصل؟؟؟؟
واستمعت للاذاعة وانا شاب..وكانت حتي سنوات السبعينيات تلتزم بذلك البرنامج القاسي..وتلزم نفسها به..ولذلك مرت علي اسماعي منذ ذلك الوقت اكثر من ثلاثة ارباع مكتبة الاذاعة السوداني..لانني كنت اهتم..وكنت انظر للامر بجدية..ولقد استمعت لاغاني كبار الفنانين اغاني لم تطرق اذني منذ السبعينيات وحتي الان..بل ان بعضها قد نمي الي اسماعي انه قد تم احراقه في المحرقة المشهورة في اوائل التسعينيات حينما فكر المد الاسلامي في اسلمة الغناء السوداني وقام باحراق اشرطة تحتوي علي كنوز من الفن السوداني الراقي..والذي ربما كان يمكن ان يباع بمليارات الجنيهات السوداني....ذكرني ذلك العمل بقيام حركة طالبان بهدم التماثيل...ولم تستجب للمطالب من معظم الدول المتحضرة.والمنظمات العالمية مثل اليونسكو...ولكي تتخيل فظاعة مثل هذه الافعال يكفي ان تتخيل ان الحكومة المصرية تقوم بهدم الاهرامات و تكسير كل ما بداخل المتحف المصري بدعوي انه منافي للدين..
المهم ظلت متابعتي لامر فن الغناء السوداني بصورة مستمرة علي امتداد سنوات عمري..وانا من جيل عاصر وسمع بأذنيه ورأي عمالقة الغناء السوداني...وقيما بعد عند عصر الكمبيوتر قمت بالاحتفاظ بعدد ضخم من الاغاني السودانية..(وكان ذلك هاجسا لي فقد اظل ساعات طويلة افتش عن اغنية معينة لفنان معين سمعتها منه في الستينيات...وقد تسعفني الظروف فاجد مرادي او قد لا اجد)...حتي اكتملت عندي مكتبة صوتية ضخمة بحمد الله.
ثم مرت ايام علي الغناء السوداني –وليتها لم تجيء-اصبح اعظم انتاج فيه هو تحرير (لوحة غنائية) قديمة ليس بغرض نفض الغبار عنها لتقديمها في ثوب قشيب ولكن لكسر رقبة ذلك العمل و سحقه و تقديمه لجمهور لا يأبه حتي بتأمل جمال كلمات اغنية او الاستمتاع بموسيقي رائعة سهر ملحنيها في تجويدها..واصبح سوق الغناء منذ تسعينات القرن الماضي ولا يزال الي الان سوق فوضوي لا يستفيد منه الا كل معتد اثيم..ولا يرتاده الا كل فسل ذميم ...
لم يكن تقليد الفنان للاخر عيبا..ولكن هناك ضوابط غير مكتوبة يلتزم بها كل من يحاول تقليد الاخرين بعدم ادخال اي زوائد علي العمل تشوهه وتخرجه من سياقه..وقد اختقت هذه الضوابط فيما بعد...وصار كل من يقلد فنانا اخر يقوم بالتصرف في الاغنية وكأنه هو من صاغ كلماتها و سهر في تلحينها...واختلط الحابل بالنابل...ولا زال.ولذلك لذت بجيل يعصمني..وهو الالتزام فقط بالانتاج المنضبط السابق وعافت نفسي كل تقليد قبيح وكل (عواسه).
واذكر لكم امثلة للتقليد في الزمن الجميل الذي اكلمكم عنه:
احتفظ بنسخ الكترونية للذي اقول...كمثال :ابن البادية يقلد الفنان الذري ابراهيم عوض (عدد وافر من الاغاني) ولكنه يحتقظ بجمال الاغنيات مثلما هي ويزيد عليها بحنجرته الصداحة..مثلا (لو بعدي بيرضيه)...واغنية (عهدك) و و و ....
كمثال.الخالدي يقلد الفنان عثمان الشفيع...يحتفظ بالاصل كما هو و يضيف...اغنيات (الحالم سبانا),و (الشاغل الافكار).و اغنية (ربوع شندي)...
كمثال: خوجلي عثمان يقلد الفنان الشفيع ويسير علي نفس النسق.
كمثال زيدان ابراهيم يقلد الفنان الشفيع و يسير علي نفس المنوال..ويقلد ايضا الفنان ابراهيم عوض في اغنية (يا خائن)...
الفنان صلاح ين البادية يقلد الفنان محمد حسنين في اغنيته (يا ناس وين انتو؟)....
واستمعت في شبابي للفنان علي ابراهيم اللحو يقلد الفنان الكابلي في برنامج ساعة سمر...
واستمعت واستمتعت بالفنان عبد الكريم الكابلي وهو يقلد رائعة السودان للابد..اغنية الفنان التاج مصطفي (الملهمة) و يقلده بعدد من الاغاني ملأت شريطا كاملا...
وقام بننفس الشيء مع الفنان حسن عطية...اذ ملا باغانيه شريطا كاملا اعترافا بفضله..
وقي بداية الزمن الغابر استمعت الي الشاب فرفور وهو يذبح ليس فنانا او اثنين وليس اغنية او اثنين بل مئات الاغاني لعدد وافر من الفنانين...ويا للاسف..
ولم يخطر علي بالي ان اكتب كل ما كتبته الا بعد ان استمعت مؤخرا لفنان عملاق...ملأ الدنيا و شغل الناس وحاز علي رضي ملايين السودانيين هرم غنائي فذ و انسان رائع ملء بالفن يقلد هرم غنائي اخر,,,
الهرم الاول الفنان عديم الشيبه..الفنان الذي سار بذكره الركبان الفنان عبد العزيز محمد داؤود...يقلد الهرم الاخر الفنان ابراهيم ابوجبل المشهور بالفنان اراهيم الكاشف...
الاول يقلد الثاني فلا ينقص من اجره شيئا....
الاول الذي ابدع لنا (فينوس) و (اجراس المعيد)..(وصغيرتي )واغنية (سمح درب الطير في سكينة)ووووو يقلد الثاني الذي اسمعنا و اشجانا ب(رحلة في طيارة) واغنية (تحت فيحاء الخميلة) واغنية (سالب فؤادي),,,
الاغنية المذكورة التي اثارت كل هذا المقال هي اغنية (المقرن عند الصباح)...
بالله عليكم قوموا بتنزيل اغنية المقرن عند الصباح بصوت الكاشف و بصوت ابوداؤود
استمعوا الي فن اصيل...و(خلونا من اللغاويث)...اما من لم بتحصل علي اي منهما فليرسل لي رساله لكي ارفعهما له ...
الان قاربت الساعة افطار رمضان...ارجو ان تعذروني علي الاخطاء اللغوية ان وجدت(فانا اكتب علي الكي بورد مباشرة و من الذاكرة مباشرة)..
عثمان جابر-امدرمان-29 يولية الساعة 5 مساء....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق