هُو الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن ابْن الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي يَنْتَمِي نَسَبِهِم إِلَى الْرَّسُوْل الْكَرِيم (ص). وُلِد فِي حَي بَرِّي الْشَرَيْف مِن قَرْيَة بَرِّي اللامِاب عَام 1930 مِيْلَّادِيَّة؛ وَدَخَل الْخَلْوَة لِيَتَعَلَّم الْقُرْآَن الْكَرِيْم فِي صِبَاه الْبَاكِر ثُم أَخَذَه جَدُّه لِأُمِّه ( مُحَمَّد احْمَد خَيْر الْمَعْرُوْف بِوُد خَيْر) إِلَى الْمَدْرَسَة الْأَوَّلِيَّة بِمَدِيْنَة سَنْجَة. وَيُحْكَى أَنَّه أَوَّل مَا قَدِم إِلَى الْمَدْرَسَة أَرَاد أَحَد الأَسَاتذَه إِمْتِحَانَه لِتَقْيِيم مُسْتَوَاه الْعِلْمِي لِّلْوُقُوْف عَلَى مَعْرِفَة مَا إِذَا كَان كُفُؤا لِلْإِلْتِحَاق بِالْمَدْرَسَة أَم لَا ! فَأَعْطَاه وَرَقَة وَقَلَما وَقَال لَه: "أَكْتُب"... هَكَذَا دُوْن أَن يَزِيَدَهَا، فَلَم يَسْأَلْه الْشَّرِيف كَمَا لَم يَتَرَدَّد.. بَل أَمْسَك الْقْلُم و كَتَب: "مَاذَا أَكْتُب؟".. وَعِنْدَمَا أَخَذ الْأُسْتَاذ الْوَرَقَة وَقَرَأَهَا أُعْجِب بِه أَيُّمَا إِعْجَاب.. وَقَرَّر أَن يُدْخِلَه الْصَّف الْثَّانِي مُبَاشَرَة.
وَلَم يَمْض زَمَن طَوِيْل بِتِلْك الْمَدْرَسَة حَتَّى كُوِّن صَدَاقَات حَمِيْمَة مَع بَعْض زُمَلَائِه آَنَذَاك، مِنْهُم مُحَمّد عَلَي صَدِيْق وَصَالِح الْشْوِيَّة وَبَشِيْر بَدْرِي وَصَفَوْت وَالْأَخَوَيْن صَلَاح وَحَسُن سُرُوْر.
فِي ذَلِك الْوَقْت لَاحَظ اسْتَاذُه (إِسْمِه الْقَدّال.. كَان مُدِيْرَا لِلْمَدْرَسَة)؛ مَوْهِبَتُه الْأَدَبِيْة الْمُبَكِّرَة فَأَخَذ بِيَدِه إِلَى فِرْقَة الْتَّمْثِيْل بِالْمَدْرَسَة، فَشَارَك فِي أَدَاء بَعْض الْتَّمْثِيْلِيَّات؛ وَكَان يَقُوْم أَحْيَانا بِالْغِنَاء عَلَى الْمَسْرَح اغّانْي لِبَعْض كِبَار الْفَنَّانِين - فِي ذَلِك الْزَّمَن – مِثْل كْرومَة وَسُرُوْر وَعُثْمَان الْشَّفِيع وَغَيْرِهِم. وَأَدَّى ذَلِك إِلَى صّقْل مَوْهِبَتُه وَبِنَاءَهَا عَلَى قَاعِدَة مُتَيَّنَة مِن حُبِّه لِلْفَن وَالْأَدَب: نَثَرَه وَقَرِيْضَه (شَعْرِه الْرَّصِيْن الْفَصِيح وَعَاميَه – الدْوَبَيت) حَتَّى تَجَمَّعَت لَدَيْه عِدَّة مَلَكَات (بِفَتْح الْلَّام).. فَتَكَوَّنَت عِنْدَه شَخْصِيَّة الْأَدِيب الْخَطِيْب الْشَّعْبِي الْمُفَوَّه؛ وَالْشَّاعِر السِّيَاسِي الْوَطَنِي الْقَوْمِي الْبَارِع: الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن الْهِنْدِي.
فِي زَمَن الْإِجَازَات كَان يَأْتِي خَالِه أُسْتَاذ الْأَجْيَال أَحْمَد خَيْر الْمُحَامِي، وَيَأْخُذَه مِن سَنْجَة لِقَضَاء الْإِجَازَة مَعَه بِوُد مَدَنِي وَكَان الْأُسْتَاذ احْمَد ذَا شَخْصِيَّة حَادَّة الْذَّكَاء وَحَادَّة الْطَّبْع فِي آَن، وَكَان يُرْغَم الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن عَلَى حِفْظ الْمُعَلَّقَات الْسَّبْع، حَتَّى أَنَّه يَذْكُر عِنَدَمّا كَان يُخْطِئ "نَحْوِيَّا" فِي كَلِمَة وَاحِدَة عِنْد تَّسَّمِيعَه لِلْقَصَائِد كَان خَالَه يَرْمِي بِالْمِلْعَقَة فِي وَجْهِه.. وَيَطْلُب مِنْه إِعَادَة تَّسَّمِيعُهَا مِن أَوَّلِهَا. فَزَاد ذَلِك – رَغْم هَذِه الْحِدَّة - مِن ذَخِيْرَتُه اللَغَوِيَة وَتَمَكُّنِه مِن الْلُّغَة الْعَرَبِيَّة فِي فَجْر صِبَاه الْبَاكِر.. (نَثْرَهَا وَشَعْرُهَا .. فَصَيْحَة وَعَامِّيَّة).
إِنْتَقَل بَعْدَهَا إِلَى مَدْرَسَة الْخُرْطُوْم بَحْرِي الْأَمِيْرِيَّة الْمُتَوَسِّطَة وَيُذْكَر مِن زُمَلَائِه يَّوْمَذَاك نَسِيْبِهِم عَبْد الْرَّحْمَن عَالِم (إِبْن خَلِيْفَة خُلَفَاء الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي.. فِي الْطَّرِيْقَة الْهِنْدِيَّة يَوْمَهَا.. الْخَلِيْفَة/ أَحْمَد ابْرَاهِيْم عَالِم - مِن الْحَلاوِين – وَهُو صِهْر إِبْنَه الْفَارُوْق/ عُمَر الْشَّرِيف يُوَسُف وَالِد مُحَمَّدُالْأَمِين عُمَر الْشَّرِيف الْهِنْدِي الْمَعْرُوْف ب " ابُو الْحَيْرَان"/ الْهِنْدِي عُمْرَالْهِنْدي: الْأَمِيْن الْعَام الْخَادِم لِتُرَاث بَيْتِهِم وَمُؤَسِّس هَذَا الْمَوْقِع).
وَبَعْد الْمَدْرَسَة الْوُسْطَى تُحَوِّل الْشَّرِيف زُيِّن إِلَى مَدْرَسَة الْأَقْبَاط الْثَّانَوِيَّة، وَكَان مُبَرِّزا فِي الْلُّغَة الْعَرَبِيَّة، لَكِنَّه لَم يَتَمَكَّن مِن الْدُّخُوْل لِجَامِعَة الْخُرْطُوْم آَنَذَاك.. وَكَان الْمِصْرِيُّوْن يُقِيْمُوْن مُسَابَقَة لِلْطَّلَبَة الْسُّوْدَانِيِّيْن.. وَالْفَائِزُون فِيْهَا يُعْطُوْن مِنَحَا دِرَاسِيَّة بِجَامِعَات مِصْر، فَشَارَك فِيْهَا وَفَاز..
وَهَكَذَا إِنْتَقَل إِلَى مِصْر وَكَان عُمْرُه حِيْنَذَاك 17 عَاما وَأَنْتَسِب إِلَى دَار الْعُلُوم فِي الْأَعْوَام 1947 – 1949م فَرَأَى تَكْوِيْن عَدَد مِن حَرَكَات الْتَحَرُّر الْإِقْلِيمِيَّة الْعَرَبِيَّة وَالْإِفَرِيقِيّة وَحَضَر قِيَام الثَّوْرَة الْمِصْرِيَّة ضِد الْمَلِك فَارُوْق وَالإسْتِعَمَار الْإِنْجِلِيْزِي الْحَاكِم الْفِعْلِي لِمِصْر يَّوْمَذَاك.. كَمَا شَهِد ظُهُوْر التَّيَّار الْيَسَارِي (الْشُّيُوعِي) وَحَرَكَة الْإِخْوَان الْمُسْلِمِيْن.
وَمَن ثُم ازْدَادَت كَثِيْرا مَعْرِفَتِه بِالتَّطَوُّر فِي الْصِّرَاع الْفِكْرِي (الْأَدَبِي وَالْفَنِّي وَالْثَّقَافِي) فِي مِحَك الْمُمَارَسَة الْسِيَاسَة تَحْت مَظَلَّة مِن الْرُّوْح اوَالحِس الْوَطَنِي وَالْنَّفْس (بِفَتْح الْفَاء) الْثَّوْرِي.. وَقَد كَان هَمُّهُا الْأَوَّل (اي الْسِيَاسَة) قَضَايَا الْوَطَن؛ رُغْم إِخِتِلَاف سُبُل الْوُصُوْل إِلَى بَرَامِج وَاسْتَرَاتِيْجيَات لِحَلِّهَا.
رَجَع الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن إِلَى الْسُّوْدَان عَام 1952 م وَإِمْتِهُن الْزِّرَاعَة فِي مَدِيْنَة سَنْجَة. وَهُو يَحْمَد لِأَهْلِهَا انَّه تَعَلَّم فِيْهَا فَن الْبَسْتَنَة الْزِّرَاعِيَّة الَّتِي احِبُّها كَثِيْرا.. وَظِل يَتَرَدَّد بَيْن مِصْر وَالْسُّوْدَان وَلَم يَكُن يُقَيِّم بِالْخُرْطُوْم إِلَا أَيَّامِا مَّعْدُوْدَة كُل عَام. حَتَّى تِلْك الْفَتْرَة لَم تَكُن لَه عَلَاقَة قَوِيَّة بِأَي حِزْب بِعَيْنِه؛ لَكِنَّه كَان يَمِيْل إِلَى الْحِزْب الإتِّحَادِي بِإِعْتِبَارِه الْأَقْرَب لِفِكْرِه السِّيَاسِي الْوَطَنِي الْوَحْدَوِي الدِّيَمِوَقْرَاطِي وَالْقَوْمِي .. فُضُلا عَن أَن كَثِيْرا مِن الْطُّرُق الصُّوْفِيَّة (وَهُو ابْن وَاحِدَة مِنْهَا) كَانَت تَدْعُم ذَاك الْحِزْب، وَمَن ثُم شَارِك بِقَصَائِد مِن الدْوَبَيت كَانَت تُوَاكِب الْأَحْدَاث؛ فَتنَفْعّل بِهَا الْجَمَاهِيْر أَكْثَر مِن الْخَطْب الْسِّيَاسِيَّة، وَكَان يَعْهَد بِهَا لِيُلْقِيَهَا صَدِيْقَه الْشَّاعِر الْشَّعْبِي الْمَعْرُوْف لِلْحِزْب الْزَّيْن الْجرِيْفَاوِي رَحِمَه الْلَّه تَعَالَى.
تَعْلَم مُمَارَسَة الْسِيَاسَة مِن خَالِه الاسْتَاذ أَحْمَد خَيْر الْمُحَامِي الَّذِي كَان يُرِي الْسِيَاسَة بِلَوْنَيْن فَقَط: أَبْيَض وَأَسْوَد لَا ثَالِث لَهُمَا (رَمَادِي) متَّمَاهِي يَتَوَسَّط بَيْنَهُمَا مِن اجْل مَا يُسَمَّى تَأَدَّبَا: "بِالمُرُونَة او الْمُنَاوَرَة" – او قُل الحَرفَنّة وَالْمُرَاوَغَة فِي الْلُّعْبَة الْسِّيَاسِيَّة إِن لَم نَقُل (The Dirty Game). و شَهِد الْشَّرِيف زُيِّن مَوَاقِف خَالِه وَمُنَاهَضَتُه لِلْإِنْجِلِيْز وَمَوَاقِفِه الْصُّلْبَة فِي إِظْهَار مُعَارَضَتْه لِلْإِسْتِعْمَار. وَعِنْدَمَا سَافَر وَفْد مِن نَادِي الْخِرِّيجِين يَضُم خَالِه أَحْمَد خَيْر إِلَى مِصْر لِمُفَاوَضَة الْإِنْجِلِيْز كَان الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن يُقَيِّم اصْلَا هُنَاك عِنْدَمَا كَان طَالِبَا 47 – 1949 م.. الْأَمْر الَّذِي سَاعَدَه فِي تَعَلُّم الْكَثِير فِي مَجَال الْسِيَاسَة الْوَطَنِيَّة مِن اعَضَّاء الْوَقْد وَمِن خَالِه بِالذَّات حَيْث كَان يُسَاعِدُه فِي مُرَاجَعَة وَتَصْحِيح كِتَابَه "كِفَاح جِيْل"الَّذِي قَال فِيْه جُمْلَة بَلِيْغَة ظَلَّت تَرَن فِي سَمْع الْزَّمَان وَالْسُّوْدَان دَهْرَا طَوَيْلَا .. مَا مَعْنَاه: نَحْن هْزَيْنا الْشَّجَر (يَقْصِد الاسْتِعْمَار) وَغَيْرُنَا اكَل الْثَّمَر (يَعْنِي الْوُصُول لِلْحُكْم) او كَمَا قَال. وَمِن هُنَا عِنْد رُجُوْع خَالِه أَحْمَد خَيْر إِلَى الْسُّوْدَان إِعْتَقَلَّه الْإِنْجِلِيْز. امّا الْشَّرِيف الْزَّيْن فَقَد تَعَلَّم مِن خَالِه عَدَم الْمُنَاوَرَة فِي الْسِيَاسَة، وَقَد عَرَّفَهَا لَه عَلَى أَنَّهَا "هِي الْعَمَل الْوَطَنِي الْعَام... الْخَطَأ فِيْه لَا يُغْتَفَر".
وَهْنَا تَقَاطَعَت الْدُّرُوب؛ وَافْتَرَق مَفْهُوْم الْسِيَاسَة وَطَرِيْقُهَا عِنْد الاسْتَاذ الْمُعَلِّم احْمَد خَيْر الْمُحَامِي وَابْنَي اخْتِه الْاشْرَاف: الْزَّيْن وَالْحُسَيْن.. بَل وَمَعَهُمَا - مِن قَبْل - ابِيْهِمَا الْشَّرِيف الْهِنْدِي الْكَبِيْر حَيْث عَاشُوْهَا كُلُّهُم (وَاقِعَا وَطَنِيَّا تَارِيْخِيَّا؛ فِعْلَا مَحْسُوْسا؛ وَعَمَلَا مَلْمُوْسا) إِخْتَلَف مَفْهُوُمِهِم لِلْسِّيَاسَة عَن جُل الَز عَمَاء الْسِيَاسِيِّيْن الْآَخِرِين.. خَاصَّة اؤُلئِك الَّذِيْن يَفْهَمُوْنَهَا "فَن الْمُمْكِن وَعَلَّم الْمَصَالِح".. فَيَا لَه مِن تَفْسِيْر ؛ وُياللَّه مِنْهَا مِيُكَافِيلِيّة.. غَايَتَهَا تُبَرِّر الْوَسِيْلَة.
عَلَى أَي حَال، رَجَع الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن إِلَى الْسُّوْدَان وَفَتْح لَه عَمَلا بِمَطْبَعَة كَان يَمْلِكُهَا أَخُوْه الْشَرَيْف حُسَيْن؛ لَكِنَّه لَم يُوَفَّق فِيْهَا فَبَاعُوْهَا . ثُم جَرَّب الْعَمَل الْتِّجَارِي بِإِنْشَاء شَرِكَة "الْأَسْوَاق الْأَفْرَيْقِيَّة للإِسِتِيُرَاد وَالْتَّصْدِيْر".. وَلَم تَرُق لَه تِلْك الْمِهْنَة، حَيْث نَشَأَت عِنْدَه فَلْسَفَة اقْتِصَادِيَّة غَرِيْبَة عَلَى الْمُجْتَمَع الْتِّجَارِي وَهِي: لِكَي يَرْبَح الْتَّاجِر لَا بُد ان يُخَسِّر طَرَف آَخَر غَيْرِه، تَاجِرا كَان او مُسْتَهْلَكا .. ذَلِك أَن الْتِّجَارَة شَّطَارَة فِيْمَا يَقُوْلُوْن! اي هِي بِمَعْنَى آَخَر: إِمَّا الْبَرَاعَة (بِالْدَعَايَة وَالْإِعْلان الْمُكَثَّف) فِي بَيْع بِضَاعَة تَالِفَة او مَغْشُوْشَة – كَالَتَّمْر الَّذِي اكْتَشَفَه سَيِّدِنَا رَسُوْل الْلَّه (ص) عِنْد بَائِعِه - أَو بَيْعُهَا بِسِعْر غَالِي لَا يَسْتَطِيْعُه الْمُسْتَهْلِك الْعَادِي .. بِأَي حَال مِن الْأَحْوَال. وَمَن ثُم تَرَك شَرِكْتُه لِلْرَّشِيْد الْطَّاهِر بَكْر بِنَاء عَلَى تَوْصِيَة مِن شَقِيْقُه الْأَكْبَر الْشَّرِيف الْحُسَيْن الَّذِي كَان يَوْمُهَا وَزِيْرا لْمَالِيّة الْسُّوْدَان
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى.. أَنَّه لَمَّا كَان الْشَّرِيف الْحُسَيْن يُؤْمِن إِيْمَانا رَاسِخا بِالْفَصْل بَيْن الْعَمَل الْخَاص وَالْعَمَل الْعَام فِي الْخِدْمَة الْعَامَّة ..وَخَاصَّة عَلَى مُسْتَوَى الْوِزَارَة بِالذَّات (تَجَنَّبَا لِلْفَسَاد) مِن اي طَرَف يَمُت أَلَيْه بِصِلَة مَا؛ طَلَب مِن اخِيْه الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن ان يُغْلَق شَرِكْتُه لِمَا عُلِم بِأَن عَطَاء لتَوَرِيد خُشُب فَلَنكُوّت لِإِدَارَة السِّكَّة الْحَدِيْد الْسُودَانِيَّة كَان فِد رَسَى عَلَى شَرِكَة الْآَسْوَاق الَّافَرِيقِيّة مِن وِزَارَة الْمَالِيَّة – الْجِهَة الْمُعْلَنَة عَن الْعَطَاء – وَفَازَت بِه الْشَّرِكَة هَذِه فِي مُنَافَسَة حُرَّة وَنَزِيهَة قَبْل ان يَد;خِل الْشَّرِيف الْحُسَيْن وِزَارَة الْمَالِيَّة بِسُنَّة او اكْثَر .. وَتَأَخَّر تَنْفِيْذ الْعَطَاء رَدْحَا فِي مَحَطَّات الْرُوَّتِيِن البِيرُوقَرَاطِي الْمَعْرُوْف فِي دَوَاوِيْن "الْمِيْرِي" .. وَكَان ان ضَاع الْعَطَاء عَلَى شَرِكَة الْأَسْوَاق الْأَفْرَيْقِيَّة دُوْن ذَنْب جَنَتْه. فَهَل تِلْك كَانَت عِفَّة شَخْصِيَّة زَائِدَة عَن الْلُّزُوْم ؟ ام حَسَاسِيَة سِيَاسِيَّة مُفْرِطَة الَى حَد مَا؟ مُجَرَّد سُؤَآل.. وَالْلَّه أَعْلَم.
وَعَلَى الْرَّغْم مِن أَن الْعَمَل الْتِّجَارِي كَان يَسْتَغْرِق جُل وَقْتِه قَبْل ان يُتْرَك شَرِكْتُه تِلْك؛ إِلَّا أَن ذَلِك لَم يَشْغَلْه عَن كِتَابَة الْشِعَر حَتَّى أَصْبَح يَتَحَسَّر كُلَّمَا تُذَكِّر أَنَّه تَرَك فِي أَحَد أَدْرَاج مَكْتَبِه عَدَدَا كَبِيْرَا مِن الْأَشْعَار الْغِنَائِيَّة، الَّتِي ضَاعَت وَلَم يُعْثَر لَهَا عَلَى خَبَر حَتَّى الْآَن.
اصْهر الْشَّرِيف الْزَّيْن إِلَى اسْرَّتَين:
الاوْلَى سُوِّدَانِيَّة لَهَا صِلَة قَرَابَة بِقَبِيْلَتِه الشَّايقِيّة إِذ ان رَبِّهَا الْحَاج/ مُحَمَّد فَضْل الْلَّه سُلَيْمَان (رَحِمَه الْلَّه) كَان شَّايِقي.. وَقَبْل ذَلِك كَان يَمُت بِصِلَة الْنَّسَب اوَالرَّحَم؛ إِلَى ثَلَاثَة مِن ابْنَاء الْشَّرِيف يُوَسُف الْهِنْدِي؛ اوَّلَا: هُو خَال زَوْجَة الْشَّرِيف عُمَر الْهِنْدِي ابْنَة الْخَلِيْفَة أَحْمَد عَالِم (رَحِمَهُم الْلَّه).. وَهِي وَالِدَة مُحَمَّد الْامِيْن عُمَر الْشَّرِيف الْهِنْدِي "ابُوَالْحَيْرَان"؛ الْأَمِيْن الْعَام الْخَادِم الْحَافِظ لِتُرَاث بَيْتِهِم وَمُؤَسِّس هَذَا الْمَوْقِع .. ثَانِيا: الْحَاج/ مُحَمَّد فَضْل الْلَّه عَم زَوْجَة الْشَّرِيِف حَسَن الْهِنْدِي إِبْنَة اخِيْه الْحَاج / حَمْد ابُو زَيْد (رَحِمَهُمَا الْلَّه)؛ وَكَذَلِك عَم زَوْجَة الْشَّرِيف عَبْد الْرَّحِيْم الْهِنْدِي (رَحِمَه الْلَّه) إِبْنَة اخِيْه الْحَاج/ حَمْد ابُوَزِيد أَيْضا... وَرِزْق الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن مِن ابْنَة الْحَاج/ مُحَمَّد فَضْل الْلَّه وَلَدَيْن وَبِنْتَيْن وَلَه احْفَاد مِنْهُمَا بِحَمْد الْلَّه.
صُوْرَة مِن حَفْل زَوَاج الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن 1961
امّا زَوْجَتُه الْثَّانِيَة فَمَن اسْرَة مِصْرِيَّة وَلَه مِنْهَا وَلَد وَثَلَاث بَنَات انْجَبْن لَه احْفَادّا .. لَعَل الْلَّه (تَعَالَى فِي مُلْكِه) يَجْعَل مِن هَؤُلَاء الْأَبْنَاء وَالْأَحْفَاد الْسُّوْدَانِيِّيْن الْمِصْرِيِّيْن مَع آخْرِيِّين مَثَلُهُم بُنَاة لِدَوْلَة وَادِي الْنِّيْل الْكُبْرَى انْشَاء الْلَّه عَمَّا قَرِيْب.
عَلَاقَتَه بِالْسِّيَاسَة
لَم تَكُن لِلْشَّرِيف زُيِّن عَلَاقَة مُبَاشِرَة بِالْسِّيَاسَة مِن الْبَدَايَة؛ إِنَّمَا كَانَت لَه عَلَاقَات قَوِّيَّة تَرْبِطُه بِأَشْخَاص مِن أَهْلِه وَاصْحَابِه أَوَمَعَارِفَه (فِي بِرِّي اللامِاب حَيْث نَشَأ وَتُرَبَّى)؛ أُنَاسَا يُجَلِّهِم وَيَحْتَرِمُهُم؛ وَفَوْق عَامِل الْسِّن لَهُم مَكَانَة وَمَعِزَّة خَاصَّة عِنْدَه؛ كَمَا لَهُم بَاع طَوِيْل فِي الْسِيَاسَة - مِن أَعْيَان بَرِّي - إِبْتِدَاء بِأَخِيْه الْشَرَيْف حُسَيْن.. مُرْوَرَا بِالْحَاج/ بِلَال بَابَكّر أَحْمَد فَرِح؛ وَابْن عَمِّه/ بَخِيْت الْعُمْدَة حُسَيْن احْمَد فَرِح (رَحِمَهُمَا الْلَّه) ؛ ثُم الْحَاج/ عِوَض احْمَد صَدِيْق وَغَيْرِهِم.. مِن الْلَّجْنَة الْفَرْعِيَّة لِلْحِزْب الْوَطَنِي الإتِّحَادِي يَّوْمَذَاك فِي بِرِّي اللامِاب.
أَوَّل تَمَاس مُبَاشِر لَه مَع الْسِيَاسَة، حَدَث عَام 1966م عِنَدَمّا كَان فِي مَدِيْنَة سِنَّار؛ يُشْرِف عَلَى أَحَد مَشَارِيْعِه الْزِّرَاعِيَّة، تُفَاجَأ بِزِيَارَة لَه غَيْر مُتَوَقَّعَة مِن وَفْد مِن فَرْعِيَّة الْحِزْب الإتِّحَادِي تِلْك وَكَان بَيْنَهُم رَئِيْسَهَا الْحَاج/ بِلَال بَابَكّر أَحْمَد الَّذِي يَتَبَادَل الْحُب مَعَه؛ وَالَّذِي طَلَب مِنْه إصْطِحَابِه فِي الْحَال إِلَى الْخُرْطُوْم؛ وَالْتَّرَشُّح فِي دَائِرَة الْخُرْطُوْم الْشَّمَالِيَّة خَلَفَا لِلْنَّائِب الْبَرْلَمَانِي الْوَزِيْر/ مُحَمَّد احْمَد الْمَرْضِي الَّذِي تُوُفِّي قَبْل الْإِنْتِخَابَات وَقْتَذَاك ..
فَقَبِل عَلَى مَضَض، وَلَكِنَّه لَم يَفُز فِي الْانْتِخَابَات.. بَل فَاز بِهَا الْشُّيُوعِي آَنَذَاك الاسْتَاذ أَحْمَد سُلَيْمَان.. وَكَان الْسَّبَب الْرَّئِيْسِي لِلْفَشَل هُو تَعَدُّد الِاتِّحادِيِّين الَّذِيْن تُرَشَّحُوا مَع الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن بَعْد ان اخْتَلَفُوَا فِي اجْتِمَاع لِجَان الْدَّائِرَة الْمَذْكُوْرَة فِي بَيْت الْرَّئِيْس إِسْمَاعِيْل الْأَزْهَرِي (رَحِمَه الْلَّه) لِاخْتِيَار مُرَشَّح وَاحِد يَجْمَعُوْن عَلَيْه . كَمَا لَم تَتَنَازَل ايَة لِجَنَّة عَن مُرَشَّحِهَا؛ وَكَانُوْا ثَلَاثَة نَزَلُوْا فِي الْدَّائِرَة كُلُّهُم؛ فَتَشَتَّت اصْوَات الِاتِّحادِيِّين بَيْنَهُم؛ وَضَاعَت مِنْهُم الدَّائِرَة الَّتِي كَانَت مَضْمُوْنَة لَهُم وَلسِنِين عَدَدَا مَضَت.. لَكِن عُمُوْمَا تَعْلَم الْشَّرِيف زُيِّن مِن هَذِه الْتَّجْرُبَة – حَسَب قَوْلِه - الْإِرْتِبَاط بِالْجُمْهُوْر، وَمُخَاطَبَتَهُم كَمَا الْإِسْتِمَاع مِنْهُم؛ وَمَعْرِفَة مَشَاكِلِهِم؛ حَتَّى وَضْع نَفْسِه فِي مَوْضِع ٍ يَتَحَمَّل فِيْه مَسْئُوْلِيَّة تَمْثِيْلُهُم فِيْه.
وَمَر عَام، وَتَرَشَّح فِي دَائِرَه سِنَّار الْشَّمَالِيَّة الْشَّرْقِيَّة ؛ الَّتِي كَان يُقِيْم بِهَا (وَلَه فِيْهَا أَنْصَارِه الِاتِّحَادِيُّون وَهُم كُثْر) وَفَاز نَائِبا فِي الْبَرْلَمَان عَن تِلْك الْدَائِرَة. وَلَا زَال الْشَّرِيف يُعْتَبَر تِلْك الْفَتْرَة "أَفْضَل فَتَرَات الْدِّيِمُقْرَاطِيَّة عَلَى الْإِطْلَاق" وَيُعَزِّي ذَلِك إِلَي عِدَّة أَسْبَاب ذَكَرَهَا بِنَفْسِه، أَنَّهَا وُجِدَت رَعَيْلَا مِن الْرِّجَال المُتَفَاهَمِين الْمُشْتَرِكِيْن فِي الْآَمَال وَالطُمُوحَات يَقُوْدُهُم الْأُسْتَاذ الْمُحَامِي الْمُهَنْدِس وَالْشَّاعِر السِّيَاسِي الْمُخَضْرَم/ مُحَمَّد أَحْمَد مَحْجُوْب كَرَئِيْس وُزَرَاء، وَأَنَّهَا حَسَّنْت جَمِيْع مَنَاحِي الْحَيَاة عَلِمَيِّا وَصَحِيَّا وَسِيَاسِيَّا وَسّكَانيّا وَزِرَاعيّا (ثَوْرَة الْإِصْلاح الْزِّرَاعِي وَبَرْنَامَج مَشْرُوْعَات الْتَّنْمِيَة الْزِّرَاعِيَّة الْضَّخْمَة كَالرَّهّد وَسُكَّر كِنَانَة عَلَى سَبِيِل الْمِثَال لَا الْحَصْر)، وَتَطَوَّرَت الْخِدْمَة الْمَدِنِيَّة أَيُّمَا تَطَوُّر، وَظَهَر "بَنْد الْإِدَارَة الْعُمُومِيَّة" لِمُحَارَبَة الْعَطَالَة وَالَّذِي سُمِى "بَّبَنَد الْهِنْدِي" الَّذِي ابْتَكَرَه أَخُوْه الْشَرَيْف حُسَيْن الْهِنْدِي الْقَاضِي بـتَّشْغِيْل الْخِرِّيجِين (وَحَتَّى طُلُاب الثانَوِيَات فِي الْإِجَازَات الْصَّيْفِيَّة)... ذَلِك أَن اهُم مَا شَاهَدَه الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن فَشَهِد لَه - فِي تِلْك الْفَتْرَة الّعَظِيّمَّة مِن تَارِيْخ الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة فِي الْسُّوْدَان - هُو صَفَاء الْعَلَاقَة بَيْن الْحُكُومَة وَالْمُعَارَضَة؛ إِذ كَان أَعْضَاء الْطَّرَفَيْن يَجْتَمِعُوْن فِي بَيْت رَئِيْس الْوُزَرَاء مُحَمَّد احْمَد مَحْجُوْب وَتَدُوْر بَيْنَهُم نِقَاشَات تَكُوْن حَادَّة أَحْيَانا، لَكِنَّهَا لَا تُفْسِد لِلْوِد (الْقَائِم بَيْنَهُم) قَضِيَّة، فَيَنْفَضُّون وَكَأَن جَدَلا حَادّا لَم يُحْدِث بَيْنَهُم، وَهَدَفُهُم الْأَسْمَى أَوَّلَا وَأَخِيْرا مَصْلَحَة الْوَطَن؛ وَدَافِعُهُم الاسَاسِي هُمُوْم مَوَاطِنِيْهِم فِي الْعَيْش الْكَرِيْم.. رُخَاء عَلَى الْأَقَل إِن لَم يَكُن تَطَوَّرَا فِي ازْدِهَار وَنَمَاء.
الْأَزْهَرِي وَالَّمَحْجُوب عِنْد رَفْع عَلَم الْإِسْتِقْلال يَنَايِر 1956 م
إِشْتَرَك فِي "مُذَكِّرَة الْنُّوَّاب" الَّتِي وَقَّعَهَا مَع عَدَد كَبِيْر مِن أَعْضَاء الْبَرْلَمَان، وَكَانَت تَقْتَرِح عَلَى رَئِيْس الْجُمْهُوْرِيَّة (الْسَّيِّد اسْمَاعِيْل الْأَزْهَرِي وَقْتِهَا) تَغْيِيْر الْطَاقَم الْحُكُومِي؛ وَذَكَرْت نُوَّابَا وَوُزَرَاء بِأَسْمَائِهِم، وَالَّتِي قَال الْشَّرِيِف عَنْهَا أَنَّهَا "لَم تَنْتَهِي إِلَى مَقَاصِدِهَا". وَبِسَبَب كَوْنِه أَدِيْبا وَشَاعِرا كَانَت لَه عَلَاقَة تَحْلِيْل عِلْمِي وَفَنِي (فِي نَوْع مِن الْإِعْجَاب بِالْأَدَاء وَالْعَطَاء الْغِنَائِي لِعَدَد مِن نِجُوُم الْغِنَاء الْسُّوْدَانِيِّيْن؛ مِنْهُم: عَبْدُالْعَزِيْز مُحَمَّد دَاؤُوْد (صَاحِب الْحَنْجَرَة الْذَّهَبِيَّة الْفَرِيدَة الَّتِي لَا تَتَكَرَّر)، وَخُضْر بَشِيْر (الّفّنّان الصُّوْفِي الَّمُبَدَّع ؛ وَكَانُوْا يُسَمُّوْنَه آَنَذَاك.. أَب دَقْن)، وَعُثْمَان حُسَيْن – (الَّذِي خَصَّه بِذِكْر قَرَابَتِه الشَّايقِيّة مِنْهُم).. ثُم عُثْمَان الْشَّفِيع (الْمُغْنِي لِلْشَّاعِر الْمُلَحِّن لِشَعْرِه بِنَفْسِه مُحَمَّد عِوَض الْكَرِيْم الْقُرَشِي)، وَحَسُن عَطِيَّة (أَمِيْر الْعَوْد)، فَأَحْمَد الْمُصْطَفَى (الّفّنّان الْطَّيِّب الْوَدُوْد ذُو الْخَلْق الْرَّفِيْع)، ثُم عَبْد الْكَرِيْم الْكَابُلِي ("فَيْلَسُوْف الْغِنَاء" فِيْمَا وَصَفَه الْشَّرِيف زُيِّن) وَهُوَالَّذِي اخْتَارَتْه الْأُمَم الْمُتَّحِدَة لْوَاحِدَة مِن وَظَائِفَهَا الْدُوَلِيَّة الْإِنْسَانِيَّة إِكْرَامَا لِفَنِّه وَإِبْدَاعُه. وَيُعْتَقَد بَعْض الْنَّاس أَن الْشَّرِيِف زُيِّن أَلَّف عَدَدَا مِن الْقَصَائِد الْغِنَائِيَّة الْعَاطِفِيَّة (مِثْل اخْتَهَا الْوَطَنِيَّة) تِلْك الَّتِي لَم يَنْسُبْهَا لِنَفْسِه خَاصَّة الْشَّعْبِيَّة الَّتِي اسَنْدَهَا لَلْجرِيْفَاوِي صَدِيْقَه الشَاعِرِالَّذِي ذَكَرْنَاه سَابِقا. عِنْدَمَا قَام نَميري بِالإِنْقْلاب الْعَسْكَرِي فِيْمَا سَمَّاه "بِثَوْرَة" مَايُو، إِنْضَم الْشَّرِيف زُيِّن إِلَى الْنِّضَال الْمُسَلَّح ضِدّهَا، وَكَان أَبْرَز قَادَة تِلْك الْمُعَارَضَة الْمُسَلَّحَة بَل زَعِيْمُهَا الْفَذ شَقِيْقِه حُسَيْن الْهِنْدِي، تَحَمَّلَا فِي سَبِيِل ذَلِك مَرَارَة الْغُرْبَة وَشِدَّة فِرَاق الْأَهْل وَالْأَحِبَّة سِنِيْن عَدَدا، وَهُنَاك أَلَّف مَلْحَمَتَه الْرَّائِعَة سَمَّاهَا: "أُوِبْرِيَت سُوِّدَانِيَّة" (أَو الْمَلْحَمَة).. إِسْتَغْرَقَت كِتَابَتِهَا 13 عَامَّا مِن وَقْتِه؛ ذِكْر فِيْهَا اسْمَاء شَخْصِيَّات سُوِّدَانِيَّة تَارِيْخِيَّة بَارِزَة؛ وَوَصَف فِيْهَا مَنَاطِق بِالْسُّوْدَان مُخْتَلِفَة الاشْكَال وَالْالْوَان : الْبِيْئَة وَالْمُنَاخ وَالْطَّبِيْعَة وَالْبَشَر .. ذِكْر انَّه لَم يُشَاهِدْهَا مِن قَبْل ان يُؤَلِّفُهْا؛ إِلَا بَعْد ان عَاد لِلْوَطَن مِن الْإِغْتِراب وَزَار كُرْدُفَان وَدَار فَوْر مَثَلا.. تَخَلَّل قَصِيْدَة الاوبرِيت الْمَلْحَمَة بَعْض الْجُمَل مِن لُغَات وَلَهَجَات بَعْض قَبَائِل الْسُّوْدَان. وَرَغِم أَنَّه لَم يَزُر لِيَرَى مُعْظَم هَذِه الْمَنَاطِق فِيْمَا اسْلَفْنا ، لَكِن عَجَبا لِخَيَالَه الْشِّعْرِي وّاحّاسّيّس وِجْدَانِه حِيْن يَتَطَابَق وَصَفَه لَهَا مَع وَاقِع الْطَّبِيْعَة وَالْعَيْش وَالْحَيَاة فِيْهَا..عَجَبا وَإِعْجَابَا ؛ وَلِلَّه دُرّك يَا سَيِّدِي !
يُمْكِنُك مُطَالَعَة الْقَسَم الْخَاص بِمُؤَلَّفَاتِه فِي هَذَا الْمَوْقِع. وَهَذِه الْرَّابِطَة لُمَقْدَمَة النَّاشَرَالسِّر أَحْمَد قُدُوْر.
وَكَان يُرَاقِب مِن بُعْد تَطَوُّر وَتَقَلُّبَات "ثَوْرَة" مَايُو، وَحَلّلَهَا تَحْلِيْل خَبِيْر، فَقَسَّمَهَا إِلَى ثَلَاث مَرَاحِل، الْأُوْلَى كَانَت الْمَرْحَلَة الْشُّيُوعِيَّة، وَالَّتِي جَرَى فِيْهَا تَحْطِيْم الْبِنَى الْتَّحْتِيَّة الْسُودَانِيَّة؛ بَل كُل مَا كَان يُقَدِّسُه الْسُّوْدَانِيُّوْن، وَأَسْتَمِرّت عَامَيْن. وَالْمَرْحَلَة الْثَّانِيَة كَانَت الْمَرْحَلَة الْدَمَوِيَة عِنْدَمَا أَدَار الْنُّمَيْرِي سَيْفَه فِي رُؤُوْس الشُّيُوْعِيِّيْن الَّذِيْن أَتَوْا بِه إِلَى الْحُكْم وَغَيْرِهِم (مِثْل مَجْمُوْعَة بَرْشَم وَحَسُن حُسَيْن). وَالْثَّالِثَة، عِنَدَمّا أَنْحَاز أْلَى أَقْصَى الْيَمِين. وَكَان الْشَّرِيِف زُيِّن يُتَوَقَّع دُخُوْلِهَا فِي مَرْحَلَة رَابِعَة وَخَامِسَة بَعْد فَشَل ("عَرُوْس الِانْتِفَاضَات" فِي يُوَلْيُو1976م)؛ بِسَبَب الْتَّقَاعُس وَالْمُؤَامَرَات – إِن لَم يُقَال خِيَانَات الْبَعْض الْمُتَرَدِّد.. لَكِنَّه طَامِع وَمُتَلَهِّف يَجْرِي لِاهِثَا دَائِمَا وَابْدَا لِرُكُوْب سَرْج الرِّئَاسَات الَّتِي لَا يَرْضَى دُوْنَهَا بِأَي مَنْصِب يَسْمُو فِي الْدَّوْلَة او الْمَقَام.
انْتِفَاضَة الْسَّادِس مِن أَبْرِيْل 1985م
يَقُوْل الْشَّرِيف أَن "إِنْتِفَاضَة الْسَّادِس مِن أَبْرِيْل كَانَت مُجَرَّد رَعْشَة إِحَسَّاس عَام مَكْبُوْت، أَذ أَنَّهَا كَانَت تِتْمَرْجَح يَمْنَة وَيَسْرَة مُتَخَبِّطَة وُمُحَطَّمَة لِكُل مَا تُصَادِفْه. لَا تَرْقَى إِلَى مُسْتَوَى الثَّوْرَة وَلَا تَتَكَافَأ مَع الإِخْتَزَال الْطَّوِيْل الَّذِي سَبَقَهَا -سِتَّة عَشَر عَاما" فَصَارَت إِمْتِدَادَا مُقَنَّعا لِثَوْرَة مَايُو.. وَأَسْبَابِه فِي ذَلِك يَقُوْل "لِأَنَّهَا.... وَلَم تُدَاوِي جِرَاح مَايُو, وَلِأَنَّهَا لَم تَعُد لِلسُّوَدَانِي ثِقَتُه بِنَفْسِه، وَخَلَقْت دِيكْتَاتَّورِيّة مَدَنِيَّة".
بَعْد الْإِنْتِفَاضَة مُبَاشَرَة تُوُفِّي الْأَمِيْن الْعَام لِلْحِزْب الإتِّحَادِي الدِّيَمِوَقْرَاطِي الْأُسْتَاذ عَبْدُالمَاجِد أَبُوَحَسَبُو فَتَجَمَّع أَقْطَاب الْحِزْب فِي بَيْت مَوْلَانَا الْسَّيِّد مُحَمَّد عُثْمَان الْمِيرِّغْنِي وَنَصَّبُوا الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن الْهِنْدِي أَمِيْنَا عَاما لِلْحِزْب، وَلَم يَكُن يَرْغَب فِي ذَلِك وَكَان يَرَى أَن فِي الْحِزْب مِن هوأُقدّم وَأَحَق مِنْه بِهَذَا الْمَنْصِب، فَاعْتَذِر وَخَرَج. لَكِنَّه نَشِط بَعْد الْتَّنْصِيْب مَع شَبَاب الْحِزْب فِي إِنْشَاء الْأَمَانَات لْيمَتَنُوا عَلَاقَة الْحِزْب بِقَاعَدِتِه الْعَرِيْضَة ويَلْتَّقُوا بِالْنَّاس، إِلَا أَن هَذَا التَّيَّار تَعْرِض لمُعَاكِّسَات مِن التَّيَّار الْمُحَافِظ فِي الْحِزْب. وَدَخَل الْحِزْب الْإِنْتِخَابَات وَمُنْي بِالْهَزِيْمَة حَيْث فُقِد أَغْلَبِيَّة مَقَاعِدِه الْبَرْلَمَانِيَة فِيْهَا. كَمَا لَم يَفُز اي حِزْب آَخَر بِالَأَغْلْبِيّة الْبَرْلَمَانِيَة الَّتِي تُمَكِّنُه مِن إِدَارَة حَكَم الْبِلاد .. وَمَن ثُم قَام ائْتِلَاف بَيْن الْحِزْبَيْن الْكَبِيْرَيْن (حِزْب الْأُمَّة وَالِاتِّحَادِي الدِّيَمِوَقْرَاطِي) وَتَم تَعْيِيْنُه وَزِيْرا لِلْخَارِجِيَّة وَنَائِبا لِرَئِيْس الْوُزَرَاء – الْسَّيِّد الْصَّادِق الْمَهَدِي حِيْنَهَا-
بَعْد مُرُوْر عَامَيْن تَبَيَّن لِلْشَّرِيف عَقِّم وَعَدَم جَدْوَى الْإِسْتِمْرَار فِي قِيَادَة وَزَارَة وَالإِشْتَرَاك فِي حُكُوْمَة لَا تُؤَدِّي وَاجِبَهَا كَمَا يَجِب وَبَلَغ الْأَمْر أَقْصَاه عِنْدَمَا جَاءَت مُذَكِّرَة الْجَيْش وَالَّتِي كَان الْشَّرِيف يَرَى أَنَّهَا إِمَّا حَقّائِق وَبِالتَّالِي وَجَب عَلَى الْحُكُوْمَة الْسُودَانِيَّة مُعَالَجَة الْأَمْر بِسُرْعَة وَإِمَّا أَنَّهَا إفْتِئَات عَلَى الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة وَجَب عِنْدَهَا إِحَالَة الْضُّبَّاط الْمُشَارِكِيْن فِيْهَا إِلَى الْمُحَاسَبَة وَالْمُحَاكَمَة، وَلَكِن الْحُكُومَة خَيَّبْت ظَنَّه وَلَم تُحَرِّك سَاكِنَا فَخَرَج مِن الْوِزَارَة إِحْتِجَاجّا عَلَى الْأَدَاء الْعَقِيْم وَأُسْتُقَال مِنْهَا وَوَضَع جَوازسَفِرِه الَديَلُومْاسِي عَلَى طَاوِلَة مَكْتَبِه فِي الْوَزَارَة، وَاخَذ جَوَازِه سَفَرِه السَّوْدَانِي الْعَادِي وَخَرَج لِيَرْفَع لِوَاء الْمُعَارَضَة ضِد الْحُكُومَة لِدَرَجِة أَن الْبَعْض لَم يُصَدِّق مَا رَأَى حَتَّى قَال الْسَّيِّد الْصَّادِق لِلْسَّيِّد الْمِيرِّغْنِي: مَا هَذَا !! نِصْف حِزْبِكُم فِي الْمُعَارَضَة وَالْنِّصْف الْآَخَر لَا يُزَال فِي الْحُكُوْمَة. وَأَطْلَق الْشَرَيْف مِن بَعْد ذَلِك جُمْلَتِه الْشَّهِيْرَة عَن تِلْكُم الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة الْمَفْقُوْدَة "لَو شَالَهَا كَلْب مَا أَقُوْل لَيْهُو جَر". وَكَان يُسَمِّيْهَا "دِيِمُوقْرَاطِيَّة الْعَدَم". إِقْرَأ مَا قَالَه عَن تِلْك الْدِّيِمُقْرَاطِيَّة الزَّائِفَة.
وَخَرَج إِلَى مِصْر مُعَارِضا قَبْل يَوْم وَاحِد مِن إِنْدِلاع ثَوْرَة الْإِنْقَاذ، وَتُلْقَى عِنْد وُصُوْلِه مِصْر هَاتِفَا مِن د. مَالِك حُسَيْن يَدْعُوَه لِلْرُّجُوْع إِلَى الْسُّوْدَان، وَكَان مِن رَأْي الْشَّرِيف ضَرُوْرَة الْإِنْتِظَار لِمَعْرِفَة: مَن هُم هَؤُلَاء الَّذِيْن ثَارُوْا؟ وَمَا هِي أَهْدَافِهِم؟ وَلِمَن يَتَّبِعُوْن؟
قَاهِرَة الْمَعْز - مِصْر
وَجَلَس يُرَاقِب وَيَرْصُد تَطَوُّر هَذِه الثَّوْرَة وَتَخَبَطَاتِهَا فِي الْبِدَايَة، وَلَم يَكُن فِي رَأْيِه مَا يَدْعُوَه لإِنْتِقَادَهَا بِإِعْتَبِار أَنَّه هُو لَم يُقَدِّم شَيْئا فِي أَعْوَام الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة الْأَرْبَع عِنَدَمّا كَان وَزِيْرا لِلْخَارِجِيَّة.
لَم تَمُر هَذِه الْسِّنِيْن بِالْشَّرِيف فِي مِصْر دُوْن أَن يَتَعَلَّم مِنْهَا، فَقَد تَعَلَّم الْمُعَارَضَة الْنَّبِيّلَة الَّتِي لَا تَشْتِم بِلَا سَبَب، وَالشَّرَيفَة الَّتِي لَا تَسْتَعِيْن بِالْغَرِيْب عَلَى الْقَرِيْب، وَتَرَك الْحُكْم لِلْنَّاس آَخِر الْمَطَاف.. كَمَا تَعْلَم نَقْد الذَّات، وَاهمّيّة الْمَوْضُوْعِيَّة فِي طَرْح الْآَرَاء وَالافكَار فِي الْنِقَاش وَالْحِوَار.
مُؤْتَمَرَات الْإِسْكَنْدَرِيَّة الَّتِي قَادَت إِلَى تَغَيّيّر وَجْه الْوَطَن ظَاهِرا وَبَاطِنا (1991 – 1992م)
جَرَت هَذِه الْمُؤْتَمَرَات الْأَوَّل فِي سِبْتَمْبَر 1991م وَالْثَّانِي فِي دِيْسَمْبِر 1992م وَكَانَت الْدَّعْوَة فِيْهِمَا إِلَى دُسْتُوْر دِيِمُقْرَاطِي لَا تَمَايُز فِيْه بَيْن الْمُوَاطِنِيْن أُي كَان الْسَّبَب (إِنْتِمَاء عِرْقِيّا أَو دِيْنِيّا أَو ثَقَافِيَّا أَو جَهُويّا) دُّسْتْوَرَأ عُرْوَتُه الْوُثْقَى "الْمُوَاطَنَة" يُؤَسِّس لِقِيَام الْدَّوْلَة الْمَدَنِيَّة وَإِلْقَاء كُل مَا يَتَعَارَض مَع الْمَوَاثِيْق الْدُوَلِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة وَّوَثِيْقَة حُقُوْق الْإِنْسَان وإِعْتِبَارِه عَمَلا غَيْر دُسْتُورِي فِي مَجْمُوْعَة الْقَوَانِيْن الْسُودَانِيَّة (جَاء ذَلِك فِي الْكُتَيِّب الْثَّانِي لِلْمُؤْتَمَر الْأَوَّل تَحْت عُنْوَان "نَحْو أُفُق جَدِيْد لِلْعَمَل الْوَطَنِي: الْفِكْر-الْتَّأْصِيل-الْتَّنْظِيْم" ص. 34). يُمْكِنُك قِرَاءَة بَعْض تَفَاصِيْل ذَلِك فِي هَذِه الْرَّابِطَة.
لِقَاؤُه بِالْسَّيِّد الْرَّئِيْس عُمَر الْبَشِيْر وَتُصالِحَه مَع الْإِنْقَاذ
كَان أَوَّل لِقَاء لَه فِي حَيَاتِه بِالْرَئِيس الْبَشِيْر فِي الْمَعَادِي بِمِصْر (مَايُو 1996م) عِنَدَمّا دَعَاه إِلَى لِقَاء بِمَنْزِل السَفِيْرَالسُّوَدَانِي، وَكَانَت تِلْك بِدَايَّة لِحِوَار الْحُكُومَة مَع الإتِّحادِيِّين - الْأَمَانَة الْعَامَّة.. لَكِن سَبَق ذَلِك خُطُوَات:
ذِكْر الْشَّرِيف فِي لِقَاءَه بِالْقَنَاة الْفَضَائِيَّة الْسُودَانِيَّة فِي بَرْنَامَج "دَوَاخِل إِنْسَان" تَقْدِيْم أَحْمَد الْبِلال الْطَّيِّب أَن أَوَّل مَن دَعَاه لِلْعَوْدَة إِلَى الْسُّوْدَان كَان الدُّكْتُوْر مَالِك حُسَيْن عَلَى الْهَاتِف وَهُو فِي الْقَاهِرَة وَكَان يَتَقَابَل مَع الْحَاج الْتِّجَانِي مُحَمَّد إِبْرَاهِيْم الَّذِي يَعْتَبِرُه أَخَا لِلْشَّرِيف حُسَيْن (أَكْثَر مِن صَدِيْق) كَان يَتَقَابَل مَعَه فِي أَيّام الْحَج وَالْعُمْرَة مُفِيْدَا لَه أَن الْرَّئِيْس الْبَشِيْر مُؤْمِن أَن الإتِّحادِيِّين جُزْء مِن تَارِيْخ الْبَلَد لَن يَتَجَزَّأ.. وَأَنَّه يُكِن لِلْرَّئِيْس الْاسْبَق إِسْمَاعِيْل الْأَزْهَرِي كُل إِحْتِرَام.. فَشَكَرَه عَلَى ذَلِك وَبَدَأ الْحِوَار يَتَطَوَّر مُنْذ ذَلِك الْحَيَن وَكَان دَائِمَا مَحْصُوْرا فِي رَسُوْل الْرَّئِيْس الْبَشِيْر (أَي الْتِّجَانِي) وَلَم تَتَّسِع دَائِرَة الْحِوَار أَكْثَر مِن ذَلِك.
فَخَامَة الْرَّئِيْس عُمَر حَسَن أَحْمَد الْبَشِيْر
الْمُبَادَرَة الَّتِي غَيَّرَت وَجْه الْتَارِيْخ فِي الْسُّوْدَان
كَان الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن وَمَجْمُوْعَة مِن الإتِّحادِيِّين فِي مِصْر– ضَمَّنَهَا الدُّكْتَّوَرِاحْمّد بِلَال - يَتَدَارَسُوْن مَا يَقِفُوْن عَلَيْه مِن مُجْرَيَات الْأّحْدَاث مَع الْحَاج الْتِّجَانِي؛ وَبَعْد مُغَادَرَتِه مِصْر يَبْحَثُوْن الْمَوْضُوْعَات الْمَطْرُوْحَة فِي الْحِوَار إِلَى أَن جَاء مِن الْقَصْر الْجُمْهُوْرِي خُطّاب مِن الْأَخ مَهْدِي إِبْرَاهِيْم (وَزَيْر الْدَّوْلَة بِرِئَاسَة الْجُمْهُوْرِيَّة) يَقُوْل فِيْه أَنَّكُم نَاس سُّوَدَانِيِّين وَأَنَّكُم مَا الْتَجَأْتم إِلَى أَي قُوَّة فِي الْخَارِج أَثْنَاء مُعارَضَّتِكُم بَلَدِكُم أَو الْحُكْم الْمَوْجُوْد فِيْه، و أَن كُل كَلَام تَقُوْلُوْنَه أَو تَكْتُبُوْنَه او يُكْتَب عَلَىلِسَانِكُم فَهُو مَوْضُوُعِي وَنَقَد مَقْبُوْل وَيُمْكِن لِأَي مَوَاطِن أَن يَأْتِي وَيَقُوْلُه مِن دَاخِل الْسُّوْدَان.. فَرَد الْشَّرِيف عَلَيْه بِأَنَّه – أَي الْاخ مَهْدِي إِبْرَاهِيْم - كَان جُزْءا (فِي يَوْم مِن الْأَيَّام) مَعَهُم فِي الْصِّرَاع ضِد مَايُو؛ وَأَنَّه يَعْرِف الْهَدَف الَّذِي يُنَاضِلُّوْن مِن أَجْلِه؛ وَأَنَّهُم لَن يَأْتُوَا إِلَا بِمُوَاصَفَات مُعَيَّنَة لَدَي شَعْبِهِم وَالْنَّاس الَّذِيْن يَنْتَمُوْن إِلَيْهِم، وَقَال الْشَّرِيِف الْزَّيْن :"إِن لَم نَشْعُر أَنَّهُم يَوَدُّون مَجِيْئَنَا عَلَى عِلاتِنا لَن نَأْتِي".
وَأَسْتَمِرّت هَذِه الْإِتِصَالُات إِلَى أَن تَبَلْوَرَت فِي الْمُبَادَرَة وَبَرْنَامَج الِاتِّفَاق وَالْتَّحَالُف الْقَائِم عَلَى ضَرُوْرَة تَحْقِيْق الْسَّلَام اوَّلَا مِن اجْل الِاسْتِقْرَار وَالتَّنْمِيَة، ثُم كِتَابة وَإِقْرَار الْدُّسْتُور سَيِّد الْقَوَانِيْن وَالتَّشْرِيْع؛ وُصُوْلا إِلَى الْدِيِمُوقْرَاطِيَّة وَالْتَّعْدَّدَيَّة الْحِزْبِيَّة، وَكَان إِتِّفَاقْا بَيْن رِجَال وَطَنِيِّين ذَوِي زَخَم شَعْبِي وَقَوَاعِد مُتَيَّنَة؛ وإِتَّفِقُوا عَلَى حَل الْمُشْكِلات الَّتِي تَعْتَرِض الْبَلَد؛ وَمُقَرِّرين الْمُضَي فِي هَذَا الِمِشْوَار حَتَّي نِهَايَة الْمَدَى الْمَوْجُوْد فِيْه.
يَقُوْل الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن الْهِنْدِي:
الْأُسْتَاذ/ مَهْدِي إِبْرَاهِيْم
وَزَيْر الْدَّوْلَة بِرِئَاسَة الْجُمْهُوْرِيَّة
"الَّذِي أَحَب أَن أُؤَكِّدُه لَجَمَاهِيْر الْشَّعْب الْسُّوْدَانِي.. أَنَّنَا إِتَّفَقْنَا مَع رِجَال – إِتِّفَاق رِجَال - بِقُوَّة إِيْمَانِيَّة وَطَنِيَّة بَحْتَة وَمُجرّدّة؛ و مَاشِيَن فِي مَشَارَيْع بَرَامَجِيّة (مَرْحَلِيَّة) مِن أَجْل الْنَّاس جَمِيْعَا.. وَمِن أَجْل الْدِّيِمُقْرَاطِيَّة؛ وَمِن أَجْل الْحُرِّيَّة وَحَسْب. وَلَيْس فِيْهَا شِئ أَكْثَر مِن هَذَا.. وَنَحْن مِن جَانِبِنَا مُقَرِّرَيْن نَمْشِي فِي هَذَا الْدَّرْب؛ فِي أَعْيُن وَمُرَاقَبَة كُل مَن نَنْتَمِي إِلَيْه وَيَنْتَمِي إِلَيْنَا؛ مِن الْوَطَنِيِّين الْسُّوْدَانِيِّيْن.. وْنِمْشِي فِيْه بِنَفْس الْشَّرَف؛ وَنَفْس الْمُرُوءَة؛ وَبَنَفَس الْتَضَّحَيِات الَّتِي تَعّوَدْنّا عَلَيْهَا."
وَبِمُنَاسَبَة عَوْدَة الْأُسْتَاذ الْنَّائِب الْأَوَّل عَلِي عُثْمَان مُحَمَّد طَه مِن الْعِلَاج فِي الْخَارِج مُعَافَا إِحْتَفَل الْشَّرِيف زُيِّن الْعَابِدِيْن الْهِنْدِي بِعَوْدَتِه فِي مَقَامِه بِحَدِيْقَتِه بِحُلَّة "كَوْكَو" (مِن ضَوَاحِي الْخُرْطُوْم بَحْرِي) حَضْرَتِه جُمُوْع حَاشِدَة مِن جَمَاهِيْر الْحِزْب الإتِّحَادِي جَاءُوَا مِن جَمِيْع أَنْحَاء الْسُّوْدَان حَضَرَهَا الْرَّئِيْس الْبَشِيْر وَتُحَدِّث فِيْهَا هُو وَالْشَّرِيِف وَالْنَّائِب وَبَشِّرُوا الْشَّعْب الْسُّوْدَانِي بِالتَّعَاوُن الْكَامِل فِي تَنْفِيْذ بَرْنَامَج تَحَالُفِهِم وَأَشَار الْسَّيِّد الْرَّئِيْس بِصِفَة خَاصَّة بِمَا مَعْنَاه أَن الْمُؤْتَمَر الْوَطَنِي وَالْحِزْب الإتِّحَادِي الْدِّيْمُقْرَاطِي لَو انَّدَمَجَا فِي حِزْب وَاحِد لَيْس الْمُهِم اسْمُه وَلَكِن الْمُهِم فَعَلَه ذَلِك أَنَّهُمَا يُمَثِّلَان جَمَاهِيْر الْوَسَط مِن الْشَّعْب الْسُّوْدَانِي وَأَن الْسَّيِّد الْرَّئِيْس يَكُن كُل إِحْتِرَام لِلْسَّيِّد الْرَّئِيْس الْأَسْبَق إِسْمَاعِيْل الْأَزْهَرِي (رَحِمَه الْلَّه) وَصَحْبِه فِي قِيَادَة الْحِزْب الإتِّحَادِي الْدِّيْمُقْرَاطِي، -جَدِيْر بِالْذِّكْر أَن الْشَّرِيِف زُيِّن الْعَابِدِيْن الْهِنْدِي رَئِيْس الْحِزْب الإتِّحَادِي الْدِّيْمُقْرَاطِي الْأَمَانَة الْعَامَّة أَعَاد تَنْظِيْم هَيَّاكِلَه وَأَمَانَاتِه وَفَتْح دَوْرَه فِي عَدَد مِن مُدُن الْسُّوْدَان كَمَا شَارَك الْبَعْض مِن قِيَادَة الْحِزْب فِي الْحُكْم الْمَرْكَزِي وَالْوَلَّائِي، كَمَا أَثْنَي الْشَّرِيف عَلَى مَا يَقُوْم بِه الْسَّيِّد الْرَّئِيْس وَنَائِبَه مِن تَنْفِيْذ بُنْوَد إِتِّفَاقَهُم فِي الْمُبَادَرَة وَبَرْنَامَجِهِا الْمُتَضَمِّن الْشُّرُوْع فِي مُفَاوَضَات الْسَّلام الَّذِي تَم بِحَمْد الِلَّه ثُم وَضَع الْدُّسْتُور وَإِقْرَارُه وُصُوْلا إِلَى الْدِّيِمُقْرَاطِيَّة وَالْتَّعْدَّدَيَّة الْحِزْبِيَّة وَمَن ثُم يَنْطَلِق قِطَار الْتَّنْمِيَة وَالْتَّعْمِيْر بِالْبِلَاد، وَالْحَمْدُلِلَّه لِصَاحِب الْحَمْد أَن مَّن عَلَى الْسُّوْدَان بِإِمَكَانَات وَمَوَارِد وَفِيْرَة زَرْعا وَضَرْعَا وَنَّفْطَا وَبَشِّرَا مَكَّنَت الْبَلَد مِن تَحِقْبق هَذِه الْمُنْجَزَات عَلَى يَد قُوَى الْتَحَالُف وَبَرْنَامَجَهُم، وَلِلَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَبَقَّى مِن مَشَارِيْع هَذَا الْإِتِّفَاق الْوَطَنِي الْعَظِيْم الَّذِي سَيُغَيِّر وَجْه الْتَّارِيْخ بِالْسُّوْدَان.
وَآَخِر دَعْوَانَا أَن الْحَمْد لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن.
إِقْرَأ مَا قِيَل عَنْه فِي جَرِيْدَة الْرَّأْي الْعَام الْسُودَانِيَّة الْيَوْمِيَّة الْصَّادِرَة فِي 8 فَبْرَايِر 2004 م.
كَمَا يُمْكِنُك مُطَالَعَة الْقَسَم الْخَاص بِمُؤَلَّفَاتِه فِي هَذَا الْمَوْقِع.
كُل الْمَادَّة مَنْقُوْلَة طَبَق الْاصْل مِن مَوْقِع الْشَّرِيف الْهِنْدِي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق